ليبيا تتحول إلى ميدان للصراع بين موسكو وواشنطن

الجمعة 02 سبتمبر 2022 6:07 م
ليبيا تتحول إلى ميدان للصراع بين موسكو وواشنطن

تقارب يثير مخاوف واشنطن

جنوب العرب - لندن

تعلن قوات فاغنر بإسقاطها الطائرة الأميركية عن مناطق نفوذ ضد الولايات المتحدة شرق ليبيا وبالتالي تقويض إستراتيجية أفريكوم لمكافحة الإرهاب ما يعطي روسيا مساحة للمناورة والضغط على خلفية الأزمة الأوكرانية.

يشكل إسقاط مسيّرة تابعة للجيش الأميركي، بسلاح روسي، مواجهة جديدة وغير مباشرة على الأرض الليبية، التي تحولت إلى ميدان صراع بين أكبر قوتين في العالم، على مناطق السيطرة والنفوذ.

وأشارت مصادر أن الطائرة الأميركية كانت تحلق بالقرب من محيط مركز قيادة قوات الجيش الوطني الليبي التي يتزعمها المشير خليفة حفتر، بمنطقة الرجمة، بالقرب من مطار بنينا، والتي تزعم بعض المواقع الإخبارية أنها كانت تقوم بعمليات استطلاع وتجسس على مرتزقة شركة فاغنر الروسية، المنتشرين في المنطقة.

منطقة نفوذ روسية محرمة
ويذهب المحلل الاستراتيجي الليبي عادل عبدالكافي نحو اعتبار إسقاط المسيّرة بمثابة “مواجهة أميركية روسية مباشرة”، ويوضح أن “(مرتزقة) فاغنر يقوضون العمليات الجوية لأفريكوم” بالمنطقة.

ويخرج عبدالكافي بنتيجة أن مرتزقة فاغنر بهذه العملية يعلنون “مناطق نفوذ ضد الولايات المتحدة، وأنهم المسيطرون على القواعد العسكرية شرقا، وتقويضا لاستراتيجية أفريكوم والسياسة الأميركية لمكافحة الإرهاب”.

فمنذ 2011، شنت الولايات المتحدة العديد من الغارات جوية في ليبيا بطائرات دون طيار مسلحة، في مناطق مختلفة من البلاد، استهدفت على وجه الخصوص عناصر من تنظيم داعش الإرهابي، وتكثفت بين 2016 و2017.

ويرى مراقبون أن وجود المسيّرات في الأجواء الليبية ليس بالأمر النادر، ناهيك عن طائرات الاستطلاع، لذلك يطرح توقيت إسقاط الدرون الأميركية أكثر من تساؤل، خاصة وأنه يتزامن مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفرض الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين عقوبات قاسية على موسكو ناهيك عن دعمهم كييف بالأسلحة.

ويقول المحلل السياسي الليبي محمد بويصير، المقيم في الولايات المتحدة، في تدوينة له “عندما أسقطت منظومة دفاع جوي روسية طائرة استطلاع أميركية، والتي كان استطلاعها للمنطقة متكررا خلال العام الماضي، وبالتالي (الأمر) ليس جديدا، ولكن الجديد قرار إسقاطها، كإشارة بأن هذه المنطقة صارت محرمة على طائرات الاستطلاع هذه”.

وتعلن روسيا وفق هذه المعادلات أن شرق ليبيا منطقة نفوذ خالصة لها، ولن تسمح بعد اليوم للطائرات الأميركية بالتحليق فوقها وإلا سيتم إسقاطها.

تضاعف أعداد فاغنر بعد تراجع
وسجلت جهات غربية في مفارقة غريبة تضاعف أعداد فاغنر في ليبيا بعدما كانت تتناقص بسبب الحرب في أوكرانيا. فبعد أن كان الحديث عن 2200 عنصر من فاغنر، غادر منهم 1300 فرد، وبقي 900 في ليبيا، وفق عادل عبدالكافي، في مقابلة له مع وكالة الأناضول في مارس الماضي.

إسقاط طائرة بهذه المواصفات في ليبيا سيدفع واشنطن إما إلى تصعيد المواجهة مع روسيا أو مواصلة سياسة الانكفاء

لكنّ موقع “فايننشال تايمز” الأميركي في أبريل الماضي، أي بعد شهر فقط، كشف عن بقاء 5 آلاف عنصر من فاغنر في ليبيا، رغم انسحاب أكثر من ألف عنصر للمشاركة في الحرب ضد أوكرانيا.

و تكرر أسلوب المناورة من خلال الانسحاب ثم إعادة الانتشار في نفس المكان، أكثر من مرة في ليبيا وحتى في سوريا، وتهدف من خلاله روسيا إلى تضليل خصومها وأعدائها.

ويرى مراقبون أن بقاء 5 آلاف عنصر من فاغنر في ليبيا، يعني أن أعدادهم تضاعفت، وأن موسكو لا تنوي التخلي قريبا عن مواقعها في البلاد، بل تعززها في إطار صراعها المحتدم مع الغرب.

ولا تخفي واشنطن قلقها من وجود فاغنر في ليبيا، وتهديدها للجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتسعى عبر طائراتها دون طيار لمراقبة نشاطاتهم وتحركاتهم.

كما تسعى روسيا لتثبيت أقدامها في ليبيا وخاصة في الجهة الشرقية عبر دعمها لقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، لكن تمركزها الأساسي موجود في مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) وقاعدة الجفرة الجوية (وسط)، وقاعدة براك الشاطئ الجوية (جنوب غرب).

ويمنح الوجود العسكري الروسي في ليبيا موسكو القدرة على المناورة أمام زحف حلف الناتو نحو حدودها الغربية.

وتشبه هذه التطورات لعبة شطرنج، حيث تحاول من خلالها روسيا منع تطويقها من الجبهة الغربية، لذلك تخوض حربا عسكرية في أوكرانيا لوقف تقدم حلف الناتو شرقا، وتضغط جنوبا عبر ليبيا من خلال النفط والمهاجرين.

بل وتهدد فاغنر حلفاء فرنسا في الساحل وبالأخص تشاد، لتتمكن من المناورة في أكثر من بقعة في العالم، باستخدام أساليب الحرب الهجينة، حتى لا يتم تطويقها وحصارها، وحرمانها من الملاحة في المياه الدافئة.

وقد حذر وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو من هذه المناورات، عندما صرح في يوليو الماضي، أن “وجود (المرتزقة الروس) بالبلاد من التابعين لشركة (فاغنر)، المستفيدين من الدعم اللوجستي للطيران الروسي، لا يزال يمثل عاملا من عوامل عدم الاستقرار للجناح الجنوبي لحلف الناتو، ولمنطقة البحر الأبيض المتوسط بأسرها”.

مهمة تجسس أم لتأمين السفير؟
وأعلنت قوات الجيش الوطني الليبي في 22 أغسطس الماضي، إسقاطها طائرة مسيّرة تحمل صاروخين بالقرب من مطار بنينا في بنغازي (شرق). وبعد يومين، كشفت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا “أفريكوم”، عن تبعية الطائرة دون طيار نوع “أم ك 9 ريبر” لها.

ورغم تبني قوات الجيش الوطني الليبي لعملية إسقاط الطائرة الأميركية، إلا أن واشنطن قررت فتح “تحقيق في سبب تحطم طائرة استطلاع مسيّرة”، ما يعني تشكيكها في الرواية الليبية، مع عدم استبعاد ضلوع فاغنر في العملية.

وبينما رجّحت مواقع وحسابات متخصصة في الشؤون العسكرية أن تكون الطائرة دون طيار الأميركية تتجسس على فاغنر وتحركاتها في شرق ليبيا، أوضح الناطق باسم أفريكوم في تصريح صحافي أن “الطائرة الموجهة كانت في الأجواء الليبية لدعم الالتزامات الدبلوماسية للسفير الأميركي ريتشارد نورلاند، المقرر إجراؤها في شرق البلاد بالتنسيق مع السلطات المعنية”.

وزعمت وسائل إعلام محلية إلغاء السفير الأميركي زيارة كانت مقررة إلى الشرق الليبي، وهو ما لم يؤكده الحساب الرسمي للسفارة الأميركية على شبكات التواصل الاجتماعي.

 قوات فاغنر بهذه العملية يعلنون مناطق نفوذ ضد الولايات المتحدة

ويرى مراقبون أنه من الصعب الاقتناع أن قوات الجيش الوطني الليبي بإمكانياتها المتواضعة بإمكانها إسقاط “أكبر طائرة دون طيار مسلحة” معروفة لدى الولايات المتحدة، رغم أنه سبق لطالبان أن ادعت إسقاطها لطائرة مسيّرة من نفس النوع، وكذلك الأمر في سوريا واليمن.

ويرى خبراء عسكريون أن إسقاط هذه الطائرة في أكثر من بلد، يوضح أنها ليست عصية على المنظومات الجوية المضادة للطائرات، رغم أنها تحلق على ارتفاعات متوسطة إلى عالية، ولا يمكن للمضادات المحمولة على الكتف مثل سام 7 الروسية، أو ستينغر الأميركية إسقاطها لأن مداها أقل من 7 آلاف متر.

ويمكن لطائرة “أم ك 9 ريبر” التحليق على ارتفاعات شاهقة تصل إلى 15 ألف متر، ولمدة 30 ساعة وتصل إلى 42 ساعة دون انقطاع، ومدى مفتوح لأنه يتم التحكم فيها عبر الأقمار الصناعية، كما يمكنها أن تحمل كمّا هاما من الصواريخ والقنابل يصل إلى 3.2 طن من الصواريخ.

وتتفوق هذه المواصفات بشكل كبير على الطائرات المسيّرة الصينية على غرار “وينغ لونغ” و”سي آش 5″، من حيث المدى والارتفاع والحمولة.

وتقوم الطائرة المسيّرة الأميركية بعدة مهام مثل الاستطلاع والتجسس ونقل المعلومات ومهاجمة الأهداف الأرضية وحتى الجوية، حيث بإمكانها حمل صواريخ جو – جو، وتنفيذ مهام طائرة “إف – 16″، بحسب خبراء ومواقع متخصصة.

ونظرا إلى هذه المواصفات فإن سعرها مرتفع ويقدر بنحو 64 مليون دولار، وسعت الإمارات لشراء 18 طائرة “أم ك 9 ريبر ” في صفقة تبلغ قيمتها 2.9 مليار دولار، لكن الصفقة لم تتم، حيث سبق وأن رفضت الولايات المتحدة بيعها للعديد من الدول العربية.

ويمتلك هذا النوع من الطائرات كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا بالإضافة إلى الولايات المتحدة. وقامت هذه الطائرة بالعديد من العمليات في أفغانستان والعراق واليمن وليبيا، لكن أشهرها قتل قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني.

بقاء 5 آلاف عنصر من فاغنر في ليبيا، يعني أن أعدادهم تضاعفت، وأن موسكو لا تنوي التخلي قريبا عن مواقعها في البلاد

وتتحدث وسائل إعلام عن اعتزام القوات الجوية الأميركية خفض إنتاج طائرة “أم ك 9 ريبر” بعد شراء 24 وحدة فقط في 2021، وإمكانية غلق خط الإنتاج، بالنظر إلى استنتاجات سلاح الجو حول عدم ملاءمتها للقتال المباشر مع عدو متطور.

ويرى متابعون أن إسقاط طائرة بهذه المواصفات في ليبيا، سيدفع واشنطن إما إلى تصعيد المواجهة مع روسيا، وبالتالي الضغط على حلفائها في ليبيا، أو مواصلة سياسة الانكفاء وتقليص نشاطها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهو المتوقع حاليا.

وستسرّع هذه الواقعة من قرار وقف خط إنتاج طائرة “أم ك 9 ريبر”، مع توالي إسقاطها في أكثر من جبهة، خاصة وأن حجمها الكبير يسهل من عملية رصدها واستهدافها.

التعليقات

تحقيقات

الجمعة 02 سبتمبر 2022 6:07 م

أفادت مصادر أمنية أن تحطم طائرة الهليكوبتر الذي أسفر عن مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجية أمير حسين عبداللهيان في مايو الماضي سببه الظرو...

الجمعة 02 سبتمبر 2022 6:07 م

تعكف السلطات المصرية على كشف ملابسات حادث إطلاق نار وقع في مدينة الإسكندرية الساحلية، مساء الثلاثاء، وأودى بحياة رجل أعمال يحمل الجنسيتين الكندية والإ...

الجمعة 02 سبتمبر 2022 6:07 م

أوضحت وزارة الدفاع التركية الخميس، أن المعلومات الواردة من رادار حلف الناتو في قاعدة كورجيك التركية، لا تتم مشاركتها مع الدول غير الأعضاء في الحلف. و...