فرسان البرّ وأمراء البحار: يلتقي الملك المؤسس

الجمعة 07 مايو 2021 5:31 م

«كان جواباً جازماً لغاية أنه بدد كل شك. وفي لحظتها، أصبح لديّ كل اليقين أنّ هذا الكتاب الذي كنت أحمله في يديّ كان كتاباً موحى من الله. فرغم أنه وُهب للإنسان منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، هو استبق بوضوح ما لن يتحقّق إلا في عصرنا المعقّد والممكن هذا.

في كل العصور، عرف الإنسان الجشع، ولكن في عصرنا هذا، وبصورة غير مسبوقة، تخطى الجشع الرغبة في امتلاك الأشياء ليصبح هوساً يحجب رؤية أي أمرٍ آخر، ورغبة جامحة لا تقاوم في الحصول على المزيد، وفعل المزيد، وصنع المزيد، واليوم أكثر من البارحة، وغداً أكثر من اليوم... وهذا الجوع للغايات الجديدة، هذا الجوع الذي لا يُشبِع أبداً، لا ينفكّ يفتك بروح الإنسان: ليتك تعرف ذلك، لكنت أدركت الجحيم الذي أنت فيه... وما رأيته لم يكن ببساطة حكمة إنسانٍ تفوّه بها في الماضي البعيد، في بلادٍ عربية بعيدة. لو مهما كان هذا الرجل حكيماً، من المستحيل أن يكون بمفرده قد رأى مسبقاً الاضطراب الذي أصاب القرن العشرين بصورة خاصة. فمن القرآن ينبثق صوتٌ أعظم من صوت محمد...».

وهكذا أصبح فايس مسلماً. اعتنق الإسلام في برلين بحضور رأس الجماعة المسلمة الصغيرة في المدينة، واتّخذ لنفسه اسمين: الأوّل «محمد»، تكريماً للرسول (صلى الله عليه وسلم)، والآخر أسد، تذكيراً باسمه الأصليّ. واتخذ خطواتٍ مصيريّة عدّة: قطع علاقته بأبيه بسبب اعتناقه الإسلام، وتزوج إيلسا التي أصبحت بدورها مسلمة أيضاً، وترك بغتة وظيفته في الصحيفة، وانطلق إلى مكّة بهدف القيام بالحّج.

وكانت أبعاد تحوّل أسد النفسية والعاطفيّة أشدّ أهميّة من البعد الحسّي. فهو كان يعتبر الإسلام أكثر من دين بالمعنى التقليدي أو الغربيّ، بل هو طريقة عيش تُطبّق في كل الأوقات. وفي الإسلام وجد نظاماً دينياً من جهة، ودليلاً عملياً للحياة اليومية من جهة أخرى، ووجد توازناً وتناغماً بينهما. «يبدو الإسلام لي أشبه بعملٍ هندسي مثاليّ، تتناغم كل أجزائه التي ابتُكرت لتكمل وتسند بعضها، لا شيء يزيد فيها ولا شيء ينقص، والنتيجة بنية مطلقة التوازن والمتانة».

بعد مرور تسعة أيام على رؤيته مكّة، تغيرت حياة أسد بلحظة واحدة، مرة جديدة، حين توفيت إيلسا فجأة، ودُفنت في قبر حجّاجٍ بسيط. بقي أسد في المدينة المكرمة، وبعد لقائه الأمير فيصل صدفة في مكتبة الجامع الأكبر، قبل دعوة للقاء أبيه، الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية. وما لبث أن أدّت هذه الدعوة إلى اجتماعات شبه يوميّة مع الملك الذي أعجب بمعرفة أسد وعمقه الروحي وعقله المنفتح.

إلى اللقاء...

التعليقات