يا مَنْ عَلَمْتَني ... كيف أُجَزِيكَ؟

الاثنين 05 أبريل 2021 5:39 م

  كل إنسان بطبيعة الحال له ثلاثة آباء،مَنْ كان له فضل في وجوده و مَنْ رباه و ترعرع في بيته و مَنْ علمه العلم النافع. إذا أخذنا بالتحديد أو الترتيب مَنْ هو أبجل و أفضل ؟ فالإجابة تكون نوعا ما ممزوجة بأسلوب التواضع والحكمة البالغة وأسلوب التذلل والتحاشي بقدر الإمكان و لا يمكنها أن تكون محددة لواحد منهم بل تشمل جميعهم طالما أنهم كلهم أساس وجودك يا من أنعم الله عليك بخيرهم و مَنِّهم. ولا تكون مباشرة أمامهم و لا يمكن الاختيار بينهم. فإذا اضْطَركَ الأمْرُ في موقِفٍ أمامهم فمهارة الأسلوب و التحاشي تصبح سيدة الموقف ِخاصة إذا كان الأول و الثاني لا يحسنا الجانب الشرعي في ديننا الحنيف.

 وإذا كانا على إطلاع بما يمليه الشَرَعُ، فهنا السؤال لا يُطرح بالمرة حيث أنهم من تلقاء أنفسهم يعرفون أهمية العلم و مرتبة عمله في الإنسانية و تتجلى عظمة العالم من الفضل و الاحترام و الطاعة و يعرفون عبارة"مَنْ علمني حرفا صِرْتُ له عَبْدا".

وفي هذا المنوال أسْرِدُ بتواضع و بتذلل مناقب الذي وضعني على السكة التي يجب أن نكون عليها و لا سبيل إلا إليها. إنها الطريق المستقيم إلى المولى عز و جل بأسلوب و كيفية لم أرى بعده قط أسلوبا أو طريقة. كنت عندما أفرغ من العمل أجده أمام باب بيته،إنه الأبُ العالم الفقيه السيد الفاضل الزاهد المتعفف الذي لا أجِدُ له وصفا،  المرحوم عابد بن عابد طيب الله ثراه الجبلولي من أولاد سي أحمد عرش أولاد نائل. تعلم في زاوية سيدي عبد القادر بالإدرسية فحفظ القرآن و الفقه المالكي (ابن عاشر- مختصر خليل و كل المتن مع ألفية ابن مالك)وعند دخوله مدينة الجلفة لازم الإمام العالم سيدي عطية مسعودي رحمه الله، حيث أتم معه كل ما يتعلق بالشريعة و اللغة العربية.

 كنت حينها أبلغ من العمر18 سنة عندما توجهت إلى معلم القرآن هذا في حجرة من بيته  المتواضع و الميسور حيث كان يعيش من "الخميسية" عبارة يراد بها ما يجود به أطفال الحي كل خميس ممن يدرسون كتاب الله عنده.زيادة على "عولة العام" أي زراعة الأرض. فطلبت منه أن أتعلم اللغة العربية و حينها كنت لا أفرق بين الاسم و الفعل و الحرف. فنظر إليَ كالطبيب المختص بأسلوب بسيط و سهل و كأنه لا يبالي حتى يوقعني في فخه، لأن حالتي استثنائية و شاذة و لم يسألني عن سبب عدم تعلمي لأنه يعلم ماذا فعل بنا المستعمر الغاشم.فكانت المسيرة المحمودة و بدأت من كراس و قلم و من كتاب "النحو الواضح" الجزء الأول من تأليف علي جارم و مصطفي أمين و من أول درس "الجملة المفيدة" إلى أخر جزء من المرحلة الثانوية.كلما أفرغ من العمل أجده كعادته أمام الباب نخوض أطراف الحديث المتعلق بالدرس تارة أمام الباب و تارة في الحجرة و لم  أعْلَم ما فعلبي حتى أصبحت رغم سني ماسكا اللوحة وأزاول الدراسة مع الأطفال في كتاب الله.

إن الوفاء ونقل الرسالة و استمرارية الاستفادة بتزويد الزاد لصاحبها من أولوية الجزاء وأفضله هذا أقل ما يمكن أن يقوم به الولد اتجاه أبيه المعلم، أن يجعل له صدقة جارية يستفيد من ثوابها عبر الأجيال. و مِنْ الأشياء الأخرى التي لا تقل أهمية، الترحم عليه والدعاء له والتصدق عنه. اللهم ارحمه و اجعله في زمرة أولئك الذين قال فيهم الحق عز و جل. "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون" اللهم اجعل هذه الأسطر ذخرا له.

 

التعليقات