الباشا الوزير .. لا يُصافح بيَدِهْ !!

الأربعاء 20 يناير 2021 9:31 م
يُحكي أن أحد وزراء مصر الراحلين ، أصبح نائباً برلمانياً عن إحدي دوائر المنوفية ، حيث مسقط رأسه ، بدعم من الحزب الوطني الديمقراطي البائد، و كان ذلك الوزير ذو حظ عظيم ، حيث استطاع تقوية وضُعه السياسي ومكانته الدبلوماسية كأحد رجال الدولة البارزين وكواحد من أمهر الوزراء المُخضرمين في أكثر من حكومة متتابعة ، وأكثر من عصر رئاسي ، وللأمانة نذكر أن هذا الوزير كان خدوماً لأهل دائرته ، حلالاً لمشكلاتهم ، ولذا ظلَ متربعاً علي كرسي برلمان الشعب منذ أواخر السبعينيات وحتي عام 2000 م.
ولكن ما أصابني بالدهشة ، ما حكاه  لي أحد أصدقائي، أن والده ذهب مع  وفد من رجال قريته في زيارة لمنزل معالي الوزير بالقاهرة يوماً ما ، ليطلبوا مساعدته في حل مشكلة تخُص قريتهم ، وحينما وصل الوفد لمنزل الوزير- نائب دائرتهم - قابلهم سكرتير الوزير بلهجة تملئها الحذر، قائلاً: " لو سمحتم.. الباشا هينزل بعد شوية.. وسيادته مش بيسلِم بإيده .. هو هيدخل عليكم.. هتقوموا تقفوا.. بعدين هيقول سلام عليكم .. وبعد ما يقعد هتقعدوا.. وبعد ما تخلّصوا كلامكم مع سيادته.. هيتفضل يقوم .. وبعدين هتقوموا إنتوا تخرجوا.. بدون سلام بالإيد برضو!! ".
كان لهجة سكرتير الوزير صادمة لآمال أهالي الدائرة ، فرسالة الوزير حملت شيئاً من التقليل من شأن ضيوف الوزير ، بل إنهم ليسوا ضيوفه وإنما أهله وعشيرته الذين إختاروه وعلتْ أصواتهم مُؤيدة له كنائب لهم .. أيكون جزاء الفضل هو المعاملة الجافة والإستقبال الخالي من الحفاوة والمنافي للتكريم والتقدير؟!
 هل بعدما أعطي معالي الوزير من طرف لسانه حلاوة لأهالي دائرته ، حتي نال مُراده وصار فارساً بالبرلمان ، الآن يخلع رجل الدبلوماسية رداء التواضع ، ليُعلن أن تقاليده وأعرافه تُلزِمُه بالغطرسة والتعالي بصِفته واحد من سادات الدولة وكبرائها ؟! 
هل يُعْقل أن يرسل حضرة الوزير برسول إلي وفده قُبيل لقاءه بهم - وهم داخل بيته وفي معيَته وضيافته - ليُنبههم  بألا تأخُذهم الأماني صعبة المنال ولا تستدرجهم الأمال المستحيلة تجاه مُصافحة يد الوزير.. ولا داعي لأن يمدُوا أيديهم فتُرد إليهم دون مُصافحة ، وتكون عاقبة فِعلتهم هو الحرج والندم الشديد !!
ولربما أن الوزير - الممتنع عن المصافحة - لجئ لهذا التصرُف وقتها كإجراء أمني وروتيني ؛ بحُكم منصبه السياسي الرفيع ، ضماناً لسلامته من أية مُؤامرات قد تؤذيه ، ولكن كيف له أن يتصرف مثل هذا التصرف الصادم مع مُحبيه ومؤيديه؟!  
 ومع مرور الأيام ، ترك وزير الملامح الهادئة ، جميع مناصبه السيادية ، بعد أن تنقَل بين ثلاث وزارات مختلفة منذ عام 1978 م وحتي أواخر التسعينيات ، مُعتزلاً الحياة السياسية، بما فيها عضوية البرلمان ، بعدما وهَنَ العظمُ منه وأدركته أمراض الشيخوخة.
 وذات مرة زار الوزير السابق قريته بالمنوفية ، كي يُدلي بصوته بلجنتها الإنتخابية ، وحسبما حكي لي أحد الذين تواجدوا داخل اللجنة.. أن الوزير السابق - وقتها - بدي طاعناً في السن ، مرتعِشْ اليدين ، من أثر الهِرمْ والوهَنْ اللذَيْن تملكا من جسده وصحته .. إلا أنه في تلك المرة ، قام بمُصافحة الموجودين باللجنة الإنتخابية دون إمتناع ولا تكبُر ولا تجبُر.
ويا للعجب.. فعندما كان الباشا الوزير مُتمتعاً بعافيته ، مُغتراً بسلطته وسلطانه ، مُستأنساً بحصانته الوزارية والبرلمانية ، ترفَع - آنذاك - عن مُصافحة أهل دائرته ، وكأن يد الوزير كانت ملفوفة بالديباج ، وأيدي ضيوفه كانت مُلبدة بالأشواك !!
 ولما بلغ سعادة الوزير من الكبر عِتياً ، وإنطفئ بريق السُلطة من بين عينيه ، وبات واقفاً علي أعتاب دُنياه ليستقبل أجل الله ، إذا به يتراجع عن أعراف الغرور المُقترنة بالسُلطة والنفوذ ، وإقتنع بأن التواضع لله ، وأصبح الوزير المُصافح للأمير و الأجير.
رحم الله وزير الإنجازات الضخمة فوق الأرض وتحتها ، إبن المنوفية - ومُحافظها الأسبق - الذي لم يدُم له متاع الدنيا ، حتي يده التي لم يُصافح بها بُسطاء دائرته يوماً ما ، هلكت وأكلها الدود ؛ وما كانت تُستثني للخلود .. فإعتبروا يا أولي الألباب !! 

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر