المهرة .. حرب خليجية خليجية جديدة

الثلاثاء 25 فبراير 2020 2:25 م

على ما يبدو هناك حرب جديدة تظهر في شرق اليمن ، في محافظة المهرة ، الزاوية الوحيدة الهادئة نسبيا في الدولة اليمنية المحطمة . ظلت المهرة خارج النزاع و الاضطرابات أثناء و بعد انتفاضات 2011 ضد حكم صالح ، و ابتعدت عن آثار الحرب العدوانية بقيادة السعودية و الإمارات 2015 على اليمن . رغم ان الصراع بين أبوظبي و الرياض على المهرة كان جليا منذ بداية الحرب ، لكنه ظهر على الأرض عام 2017 . حين بدأت القوات الإماراتية في توسيع مبادرة الحزام الأمني على كامل جنوب اليمن . المبادرة الإماراتية خلقت الريبة و الشك عند السعودية في نوايا حليفتها في التحالف . من تكرار ما قامت به في المحافظات الأخرى ، من انشطة اعاقة المشاريع السعودية . عمليا بدأ الصراع السعودي الإماراتي يطفو على السطح . عن هذا الصراع كتبت الخبيرة في شؤون المهرة و الأستاذة بجامعة أوكسفورد / إليزابيث كيندال .. قالت ان التواجد العسكري السعودي في المهرة يمنع الإمارات من الهيمنة على كامل الجنوب طالما المهرة و سقطرى خارج نفوذها . لذا أرسلت السعودية قوات عسكرية بكامل عتادها الثقيل الى المهرة دون وجود أي مبرر للتدخل العسكري غير وقف التمدد الإماراتي نحو محافظة المهرة . بهذا وجدت المحافظة نفسها متورطة في أحدث حروب الوكالة بين الدول الأعضاء في التحالف و دول مجلس التعاون الخليجي . المبادرة الإماراتية و التدخل السعودي قوبل بالرفض من السلطات المحلية و كذا رفضتها القيادات الوطنية البارزة في المحافظة من بينهم سلطان عبدالله بن عيسى العفر ، قائلا إن المحافظة لديها وسائل الأمن الخاصة . و صرح القيادي البارزو الذي يحظى بشعبية واسعة قبليا و شعبيا على مستوى اليمن الشيخ العميد علي سالم الحريزي ، الذي قال " نحن تحت الاحتلال السعودي " و واصل حديثه بالقول نحن " لا نريد السعودية " . في يناير 2019 وجه الشيخ الحريزي رسالة واضحة إلى القوات السعودية و أكد لهم ان أبناء المهرة جاهزين لأي خيارات . الشيخ العميد الحريزي معروف بدرايته لشؤون قبائل الصحراء . و كان اللواء محمد قحطان رئيس جبهة الإنقاذ الوطني و عضو مجلس الشورى كان أكثر وضوحا حين قال : تأسيس جبهة إنقاذ وطنية سيكون إضافة نوعية للحراك الشعبي المناهض للاحتلال السعودي الإماراتي في المحافظات الجنوبية و الشرقية ، مؤكدا أنه و بعد ان كان الرفض الشعبي مقتصرا على المهرة فإنه سيتوسع و يتعدد ، نوعا و كما و أسلوبا و سيمنع الاحتلال من الاستفراد بطرف دون البقية .

بالمقابل بذلت الرياض جهود لبناء الثقة و الولاء بين السكان المحليين و المملكة السعودية ، لكن دائما ما تنتهي جهودهم بالفشل . عدم الثقة عميقة و راسخة بين السكان و تتزايد تعقيدا ضد المحتلين السعوديين و الإماراتيين . أبناء المهرة يدركون ان المساعدات الانسانية و إصلاح البنية التحتية ، و تمويل المدارس و المستشفيات و الكهرباء من قِبل التحالف السعودي. هي مقايضة مع السكان مقابل التنازل عن السيادة الوطنية لصالح الهيمنة السعودية .

التواجد السعودي في المهرة لم يغضب سكانها فقط ، بل أدى إلى صدع في العلاقات مع الجارة عمان ايضا .. ترى مسقط في سيطرة السعودية على جارتها المهرة تهديدا لها ، خصوصا أن هناك روابط و تاريخ و امتداد للقبائل العمانية و المهرية عبر الحدود . التواجد السعودي في المحافظة يشكل ضغط على أبناء المحافظة لإخراج سلطنة عمان . لكن اليمنيون يدركون أن عمقهم العماني هو الذي جعلهم يصمدون أمام تلك الأطماع . محافظة المهرة هي المنطقة الوحيدة في اليمن التي تشترك في الحدود مع السعودية و عمان . اضف الى ذلك ان سلطنة عمان تملك علاقات طيبة مع اليمنيين في المحافظات المجاورة لها . و لاجل ذلك تسعى السعودية للسيطرة على المعابر الحدودية و المواني للحد من التجارة مع عمان . أن السيطرة السعودية على المهرة قد تترك تداعيات واسعة و مدمرة على المنطقة إذا واصل المحتل السعودي تعنته و عدم الرضوخ لأمر الواقع . وضعت السعودية خطط لمشاريع البناء الكبرى ، بما في ذلك حول ميناء نشطون في محافظة المهرة و يقع على المحيط الهندي . أن مشروع بناء خط أنابيب نفط طال انتظاره من السعودية إلى المحيط الهندي عبر أراضي المحافظة ، يعتبر من القضايا الاستراتيجية ، و مد الأنابيب أحد الخروقات في العامل الجيوسياسي و قد يؤدي الى اضطرابات أمنية أو سياسية في المنطقة و يكون لها عواقب و خيمة على أقتصاد و أمن الطاقة العالمي و كذا خطرا على خط انابيب النفط و يعرضه لاعمال غير مرغوبة .

يتزامن العدوان السعودي على المهرة مع تزايد الضغط العالمي على التحالف الذي تقوده السعودية لوقف الحرب المدمرة في اليمن . تدعي السعودية ان عملياتها التوسعية في المحافظة لاسباب وقف تهريب الأسلحة لانصار الله . ويؤكدون ان إيران تهرب الأسلحة عبر الحدود البرية مع عمان و عبر ميناء نشطون . سلطات المهرة تنفي بشدة هذه المزاعم . المهرة كانت منذ عقود قناة لطريق التهريب ليس فقط بين عمان و اليمن و لكن ايضا بين السعودية و اليمن – كانت تهرب السلع الإستهلاكية في مقابل الكحول و القات ( المنشطات الورقية ). لكن ليس هناك دليل على أن انصار الله يحصلون على الأسلحة من خلال هذه الطرق . في الواقع ان حصول انصار الله على حاجتهم إلى التسليح من الخارج مصدر مشكوك فيه .

يعرف أبناء محافظة المهرة ان مزاعم السعودية هي مبرر فقط لغزو محافظتهم للوصول الى شواطئ المحيط الهندي لتصدير النفط ، عبر خط انابيب من السعودية الى المهرة ، حيث يمكن توسيع المواني هناك و تطوير ناقلات النفط و الهروب من مضيق هرمز ، الذي يمر عبره معظم صادرات النفط السعودي الى الأسواق العالمية .

تحذيرات دولية من إحتلال محافظة المهرة

ان الاستراتيجي العماني عبدالله الجيلاني محقا حين قال " إن المهرة كانت الفناء الخلفي لسلطنة عمان ، لقد طورنا الكثير من البنية التحتية هناك ، و لدينا روابط سياسية و اسرية قوية ، المهرة هي المنطقة العازلة التي ظلت هادئة حتى وضع السعوديون و الإماراتيون قواتهم هناك " . جهات دولية كثيرة حذرت من استمرار التواجد العسكري السعودي في المهرة أقصى شرق اليمن . حيث كتبت صحيفة الاندبندنت البريطانية إن التوترات في محافظة المهرة يمكن ان يكون لها عواقب واسعة النطاق و مدمرة بالنسبة للمنطقة إذا استمر التواجد العسكري هناك .

حاليا صعب التنبؤ بما تحمله الأيام القادمة . مسقط ترفض أي تواجد عسكري على حدودها مع اليمن و إصرار ابوظبي و الرياض على استكمال أهدافهما . هذا قد يدفع عمان إلى اتخاذ خطوات أبعد من سلاح تحريك الشارع المهري . سلطنة عمان تشعر بالضغط من أجل القبول أو مواجهة تداعيات موقفها . هذا يقلق المسؤولون العمانيون ، من ان تكون عمان الهدف التالي بعد قطر للحصار الذي تقوده السعودية و الإمارات . تعززت المخاوف عند العمانيين بشأن النوايا الإماراتية ، في عام 2011 حين تم الكشف عن خلية تجسس تستخدمها ابوظبي و تكرر مرة اخرى في نوفمبر 2018 و هذا أدى الى انزعاج العمانيين من الإماراتيين ، في نفس الشهر اصدر السلطان قابوس قرارا ملكيا بمنع المواطنين غير العمانيين من امتلاك الأراضي في المناطق الحدودية الإستراتيجية في سلطنة عمان ، بما في ذلك مسندم و كذلك ظفار . ان اصرار السعودية لتحقيق اهدافها الجيوستراتيجية ، بغض النظر عن الآثار المترتبة عليها . فقد استخدمت السعودية و جودها العسكري هناك للإعلان عن اعتزامها بناء خط انابيب عبر منطقة المهرة و بناء ميناء للنفط على الساحل اليمني . تقوم السعودية حاليا بشحن النفط عبر مضيق هرمز و مضيق باب المندب ، في حين ان خط الأنابيب المقترح سيسمح بالوصول مباشرة الى المحيط الهندي .

الآثار السلبية لاحتلال محافظة المهرة

من مساوئ زعزعت الاستقرار في المهرة ، سوف يؤثر سلبا على استقرار السعودية . هي مهيئة و سهلة .. و هذه الزعزعة سوف تنفذها المعارضة السعودية بنفسها ( الفيت كونغ ) و بدعم غربي أمريكي للحفاظ على مصالحهم . حقا المعارضة ضعيفة و غير فاعلة الآن ، لكن تشكل نواه لتراكم الأحداث . التراكم يؤدي إلى التغيير النوعي أو الكيفي ، هذا ما تقوله الفلسفة المادية الجدلية . هذا ينطبق الآن على الحالة السعودية ، اتساع المعارضة يؤدي الى زيادة التذمر ، زيادة التذمر يؤدي إلى حالة غضب ، تزايد الغضب يقود إلى تغيير حياة الناس و الشعوب و يقود الى الثورات .

المعارضة السعودية شبيهة بـ ( الفيت كونغ ) تتطلب فقط توحيد جميع النشطاء المعارضين للحكومة . النظام السعودي هـش و مقاومة أنصار الله كشفت ضعفه . من جانب آخر لا يوجد في العصر الحديث دولة تحمل اسم العائلة الحاكمة غير المملكة العربية السعودية . حتى دول الجوار هناك دولة البحرين و دولة الكويت ..الخ أي كيانات سياسية معروفة بمواقعها . المضحك ان المجلة البريطانية الرصينة The Economist في 18 نوفمبر 1995 لم تجد عبارة تصف بها السعودية سوى القول إنها " شركة عائلية ". الباحثان بيتر ويلسون و دوجلاس جراهما في كتابهما " المملكة السعودية : العاصفة المقبلة – نيويورك 1994م " يقول المؤلف " ان الملك عبد العزيز كان يتصرف بالميزانية العامة للمملكة كأنها ميزانيته الشخصية . ولهذا الاسرة الحاكمة عند سماعهم لمطالب المعارضة بنظام " الملكية الدستورية " تصاب بالقلق و الهستيريا لان هذا النظام سوف يحدد سقف للاسرة لا يمكن تجاوزه . سوف يؤسس آليات يصبح معها من الصعب استمرار الحالة على ما هو عليه . رغم ان " الملكية الدستورية " لا تشكل ضررا أو خوفا على اسرة آل سعود . الكتب الحقوقي السعودي دكتور متروك فالح في مقاله بعنوان " الملكية الدستورية : إقصاء أم إعادة تأسيس " ، يقول بأن الدعوة إلى إنشاء هذا النظام " لا يعني البته إقصاء آل سعود عن الحكم " . ثانيا الدولة السعودية لم تتأسس وفق مفهوم الدستور ، بالتالي فهي غير قادرة على التفاعل في المجتمع الحديث و نتيجة هذا الخلل الكبير في الحياة الاجتماعية و السياسية يكون اول ضحاياه هو مبدأ المواطنة ، أي الانسان في المملكة .

الخلاصة : إذا استمرت السعودية و الإمارات في العنجهية و النظرة الفوقية نحو اليمن ، فما على اليمن الا اتخاذ الخيارات الصعبة وهي كثيرة ، منها فتنمة الحرب و أمريكا جربتها لحماية اليمن أرضا و شعبا أو أفغنة الحرب و الأرضية مهيئة لأحد الخيارين .

كاتب و محلل سياسي يمني

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر