فی التاسع من شهر نوفمبر لعام 1977، وأثناء إنعقاد إفتتاح الدورة التشریعیة لمجلس الشعب المصري ألقى الرئيس المصري السادات، خطابةً أمام مجلس الشعب، فاجأ خلالها العالم والمصريين والعرب ، حين قال (ستدهش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول أمامكم) إني مستعد للذهاب إلى بيتهم نفسه، إلى الكنيست الإسرائيلي فی تل آبیب.۔۔۔
کان قد سبق الإعلان عن الزیارة مفاوضات سریة قام بها السید (حسن التهامي ) بتکلیف مباشر من السادات ۔ فی الرباط وفی "بوخارست" فی رومانیا ۔ وقد لعب کل من ( الملك الحسن ) ملك المغرب والسید "نیکولا شاوشیسکو " الزعیم الروماني دوراً هامً فی التمهید للزیارة بجانب الدور الأمریکي لسید ( هنری کیسنجر ) وتآمین الزیارة من الناحیة الأمنیة للسادات من الأمریکان وفی التاسع عشر من نوفمبر ۔۔
هبطت طائرة السادات في مطار بن جوريون، رغم علم السادات المسبق آنذاك من دواٸر الإتصالات السریة ،
أن إسرائيل لا يمكن أن تعود إلى حدود عام 1967، وأنها لن تعترف بقیام دولة فلسطینیة علی حدود قبل یوم 5 من یونیة 67 . ولن تقبل بإجراء اتصالات مباشرة مع (منظمة التحرير الفلسطينية )، بل أصر على القيام برحلته وإتخاذ القرار المنفرد ، فی خطوة هزت الشرق الأوسط والعالم کانت شاشات التلفزة العالمیة تنقل البث المباشر لهبوط طاٸرة السادات علی مهبط مطار بن جوریون
خرجنا ونحن صغار الی المقاهي لنشاهد أمام شاشات التلفاز هذا الحدث الذی تغیر فیة وجه مصر والشرق الأوسط ۔
ألقى السادات خطاباً فی مقر ( الکنیست ) الإسراٸیلي أكد فيه أن السلام في الشرق الأوسط ممكن، لكنه يحتاج إلى زعماء شجعان، وذلك وسط استقبالٍ عسكري حافل وترحيب من قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي وزعماٸها السابقين وکانت جولدا ماٸیرا وموشي دیان فی الصفوف الأمامیة فی الکنیست ۔ وزعماء طوائفها . ومنهم ابن المطرب المصري الیهودی (داوود حسني )
بدأ السادات خطابه قائلاً: لقدّ جئت إليكم اليوم على قدمين ثابتتين، لكي نبني حياة جديدة لكي نقيم السلام وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا مسلمون ومسيحيون ويهود نعبد الله ولا نشرك به أحداً، وتعاليم الله ووصاياه هي حب وصدق وطهارة وسلام ثم اعترف صراحة بـوجود دولة إسرائيل كواقع علی الأرض ، وقال ولقد أعلنت أكثر من مرة أن إسرائيل أصبحت حقيقة واقعة، اعترف بها العالم، وفی نهایة خطابة حملا کل من الإتحاد السوفیتي والولایات المتحدة حمایة أمنها ووجودها، وقال كنا نريد السلام، فعلاً وحقّاً، فإننا نرحب بأن تعيشوا بيننا، في أمن وسلام، ثم ذهب السادات لزیارة المسجد الآقصي ، وصلي صلاة العید الکبیر ۔۔ وسط حشد آمني کبیر ،
ونتيجة لزيارة القدس المحتلة کان الرد سریعاً فی عملیة إغتیال الأدیب یوسف السباعي فی لارناکا رداً علی زیارتة مع السادات الی القدس وحدث خلاف و معارضة من بعض أعضاء مجلس الشعب المصري۔ فآصدر السادات قراراً بحل مجلس الشعب المصري ۔۔ وقد اشتعلت ردود آفعال عربیة فی بلدان ومدن عربیة من تظاهرات ، کان من نتاٸجها تفجیر مکاتب خطوط مصر للطیران فی کل من دمشق وبیروت ۔۔۔ وتم نقل مقر جامعة الدول العربیة من القاهرة الی تونس العاصمة ۔ بعد إنعقاد قمة عربیة فی بغداد ، کرد فعل علی الزیارة التی قام بها الرٸیس المصری الی القدس ۔۔ وعلی الجانب المصري قدم کل من إسماعیل فهمي ۔ والسید ابراهیم کامل وزیري خارجیة مصر إستقالتهما ۔بعد الزیارة وأثناء مفاوضات السلام ۔ بسبب عزل مصر عربیاً۔۔ وتقزیم دور مصر داخل حدودها الجغرافیة ۔
ورفضت کل الدول العربیة الزیارة وتم تشکیل جبهه اّطُلق علیها جبهه ( اللصؒمود والتصؒدي ) ومقرها بغداد فی نفَسه العام ظهر نجم صدام حسین بعد تولی مقالید الحکم فی جبهه معارضة للسادات ،، وتم إغلاق مکاتب ومقر منظمة التحریر الفلسطینیة فی القاهرة وقد اعربت السعودیة فی بیان منفصل من جلالة الملك ( خالد ) بياناً ينأى ببلاده عن الزيارة وينتقدها، لأنها قسّمت العرب.
فکتب استاذی العالم الشهید "جمال حمدان ۔فی مذکراتة ۔۔" أوراق مبعثرة أن مصر تعیش أسوآ حالتها بعد أن تحولت من مصطلح جغرافی الی تاریخي وفقدت أهمیتها ۔الإستراتیجیة ۔ونقل ثقلها الی دول الخلیج ۔ وقال لقد فقدت مصر ربع قیمتها عام 1948 وفقدت الربع الأخر عام 1967 ۔ثم فقدت الربع الاخیر فی عام 1979 حین وقعت معاهدة السلام ۔۔۔ وبعد مصرع السادات وتولي حسني مبارك تقالید الحکم ،، آخذت العلاقات المصریة العربیة ۔ فی الرجوع وإعادة مقر جامعة الدول العربیة الی القاهرة ۔۔ ومع مرور سنوات من زیارة السادات للقدس ، فتحت آبواب فی علاقات إفریقیة وعربیة مع إسراٸیل ۔۔ وعقد معاهدات مع الاردن ۔۔معاهدة وادی عربة ودخول الفلسطینیین فی مفاوضات سلام ۔۔ من مدرید ۔واسلو ۔ وکامب دیفید ۔۔ فتحت لمدّ علاقات للتطبیع العلني والسري مع الکیان الإسراٸیلی ۔ ففی العام الماضي قام ( بنیامین نتنیاهو ) بزیارة الی سلطنة عمان ۔۔وقد صرح قادة من الکیان الإسراٸیلی بوجود علاقات سریة مع دول خلیجیة وکانت زیارة صحفی سعودی وشباب من تونس هذا الشهر ۔الی إسراٸیل ۔ للإعادة النظر الی نتاٸج زیارة السادات منذ 42 عاماً قد کسرت رویداً رویداً حاجز الخیانه للسادات ۔ فی الذهاب الی إسراٸیل ورفع الحرج علی العالم العربي والإسلامي ۔۔من فتح علاقات مباشرة مع إسراٸیل ۔ ولیس غریباً أن تطالب بعضویتها فی جامعة الدول العربیة ۔
ولیس غریباً ۔۔ فی نهایة زیارة نتنیاهو الی سلطنه عمان فی البیان الختامی للزیاره فی تعزیز العلاقات الإسراٸیلیة مع کل دول الخلیج ۔من خلال المساعدات والخبرات الإسراٸیلیة فی مجالات الآمن ومحاربة الإرهاب والمساعدات الاقتصادیة والتکنولوجیة ۔۔وتآتي الذکري لرحلة السادات مع حصار غزة براً وبحراً وجواً وقصفاً ۔۔۔
محمد سعد عبد اللطیف
کاتب وباحث فی الجغرافیا السیاسیة رٸیس القسم السیاسي نیوز العربیة