بين الجنرال فرانكو وجنرالات العرب ،
درس في التاريخ الحديث ، خریف بطریرك وخریف جنرالات العرب ،
خرج البطریرك ليلاً وهو علي فراش الموت ،
في العصور الوسطى ،
يكتب علي حوائط قصره وعلي حوائط المعابد والكنائس ،
أعيش أنا ويموت ضحاياي،
كتبها في غفله ،
ويعيد إنتاج نفس ديكتاتور اسبانيا
في اوائل هذا القرن الماضي ،
تقول النكتة، أو لعلها حقيقة حدثت بالفعل وخضعت لروايات مختلفة، إن هتافات المحتشدين حول قصر الجنرال الإسباني فرانشيسكو فرانكو وصلت مسامعه على فراش الموت، فسأل المحيطين به عن الأمر ليجيبوه بأن الشعب الإسباني أتى لتوديعه، فيتساءل ببساطة: إلى أين هم ذاهبون؟
الجنرال لم يكن يتصور أنه سيرحل، وأن الأقرب إلى واقعه ومخيلته أن يرحل الشعب الإسباني كله بينما يبقى هو في مكانه الذي استحوذ عليه لعقود من الزمن، منذ استطاع أن ينتصر على الجمهوريين، ويؤسس لحكمه الديكتاتوري الذي أدى إلى تدمير جزئي وكلي لحياة مئات الآلاف من الإسبان ينضافون إلى مئات أخرى من الألوف طحنتهم الحرب الأهلية في الثلاثينيات من القرن العشرين.
الجنرال فرانكو يمثل نموذجاً مثالياً للديكتاتور الناجح، فمجرد وصوله إلى موت هادئ في الثانية والثمانين من العمر، وهو على رأس السلطة، أمر لم يتمكن من إنجازه سوى قلة من طغاة القرن العشرين،
هل تنطبق هذه الحالة علي حالة حكام العرب ،
يحدث الأمر نفسه في مصر بعد ثورة يناير 2011 لتصنف أي دعوة للتعقل في تفكيك الدولة واستبدال جميع وجوهها بالانتماء إلى الفلول، ويحدث ذلك مرة أخرى بعد الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين لتتشكل حركة تطهير سياسي واجتماعي واقتصادي لمواقعهم التقليدية التي شغلوها في المجتمع المصري، وفي كل مرة يأتي الإعلام بسلوكه النفعي والانتهازي ليقدم خدماته للقادمين لتثبيت أقدامهم، وللراحلين بوعود انتقامهم المؤجل، وفي جميع الحالات تتجرد الدولة عشوائياً وبصورة استعراضية لا هي تصنف تحت العدالة الثورية ولا الانتقالية من طبقة التكنوقراط والمرجعيات الفنية والإدارية والوظيفية، فجزء كبير من فشل الإخوان كان يتمثل في مشروعهم الاقصائي الذي أظهر تلهفهم على السلطة، وعلى إحلال رجالهم في المواقع الشاغرة بعد دولة مبارك، ليستغل خصومهم ذلك بأن ينسحبوا للوراء تاركين فريق الإخوان الذي لا يمتلك خبرة إدارية عميقة، متورطاً في قضايا أساسية مثل توفير الوقود وتشغيل المرافق الأساسية.
في مجتمعات التخوين والتكفير وحيث الجميع يلعبون في الوقت نفسه أدوار الادعاء والاتهام والقضاء لا يمكن للتسامح أن يجد مكانه للسطح، ولا يمكن للنسيان أن يفتح بابه أمام من يرغبون في هدنة طويلة في عتمته الدافئة، قبل أن يصطدموا بالمستقبل الساطع، ولذلك، فإن ما يلوكه الثوار المنتصرون الذين يفاجأون بوصولهم إلى الغاية قصيرة المدى بتغيير النظام أو إسقاطه من مصطلحات مثل الدولة العميقة يبقى مجرد تعبير عن انعدام الرؤية وفقدان البوصلة واتجاهاتها.
يمكن أن سنوات الصمت في فرانكو أوقفت ماكينة إنتاج أنصاف الآلهة الذين صنعتهم في الدول العربية ثقافة الديمقراطية المائعة والشكلية لأكثر من نصف قرن، بعد عصر الاستقلال، ولذلك وجدت إسبانيا نفسها بحاجة إلى تبدأ بقليل جداً من المزاعم، وأن تكفن بنفسها أساطيرها وأشباحها، بينما نعيد انتاجهم واستنساخهم ونتلذذ بالنواح من أجلهم والندب على قبورهم.
ولا يوم من أيامك. يا مبارك ،
هذا ما وصلنا اليه. وكل دول الربيع العربي ،