مانزوكيتش (في الوسط) يسجل في مرمى انجلترا ليمنح كرواتيا بطاقة نهائي كأس العالم
واصل منتخب كرواتيا صناعة التاريخ في بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة حاليا في روسيا، بعدما تأهل للمباراة النهائية للمونديال للمرة الأولى في تاريخه، عقب فوزه المثير 2 - 1 أمس على منتخب إنجلترا.
وضرب المنتخب الكرواتي موعدا في المباراة النهائية يوم الأحد المقبل مع نظيره الفرنسي، الذي اجتاز عقبة بلجيكا في مباراة الدور قبل النهائي الأخرى أول من أمس.
على ملعب لوجنيكي في موسكو، تقدمت إنجلترا بهدف في الدقيقة الخامسة عبر المدافع كيران تريبير من ركلة حرة مباشرة، قبل أن تتعادل كرواتيا عبر إيفان بيرشيتش في الدقيقة 68. وفرض التعادل تمديد المباراة إلى شوطين إضافيين حسمت فيهما كرواتيا النتيجة بهدف لماريو ماندزوكيتش في الدقيقة 109.
وكان المنتخب الكرواتي، الذي سجل ظهوره الثاني في المربع الذهبي للمونديال والأول منذ 20 عاما، الطرف الأفضل في المباراة، حيث أظهر قدرته البدنية على تحمل لعب ثالث وقت إضافي له في النسخة الحالية للبطولة، على عكس المنتخب الإنجليزي الذي بدا منهكا في الشوطين الثالث والرابع، ليحسم الكروات الأمور لمصلحتهم في النهاية.
بتلك النتيجة، حرم منتخب كرواتيا نظيره الإنجليزي، الذي بلغ الدور قبل النهائي للمرة الثالثة في تاريخه والأولى منذ 28 عاما، من تحقيق حلمه في استعادة اللقب الغائب عن خزائنه منذ تتويجه بلقبه الوحيد عندما استضاف المونديال على ملاعبه عام 1966.
من جهة أخرى, بدأت فرنسا الحلم بالمجد في كأس العالم لكرة القدم بعد عقدين من الانتظار بعد الفوز على بلجيكا 1 - صفر في نصف نهائي مونديال روسيا الذي أطلق العنان لموجة من البهجة في أنحاء البلاد كافة.
واندفعت أعداد كبيرة من المشجعين المبتهجين إلى الشوارع الباريسية حاملين أعلام فرنسا، بينما علت أصوات أبواق السيارات في المدن كافة حتى وقت قريب من فجر أمس احتفالاً بالتأهل للنهائي.
وخرجت الصحف الفرنسية الصادرة، أمس، لتحيي منتخب بلادها، معتبرة أنه بات «على أبواب الجنة»، بعدما كانت انتقدت أداءه عقب نهاية الدور الأول.
واعتبرت صحيفة «ليكيب» الرياضية اليومية، أن المنتخب الفرنسي خلال مباراته ضد بلجيكا أظهر «سيطرة واستراتيجية رائعتين»، مضيفة: «هذه ثالث مباراة نهائية عالمية في فرنسا في عشرين عاماً، وهذا جنون».
ورأت صحيفة «لوفيغارو» أن اللاعبين «البطوليين في إمكانهم أن يحلموا بنجمة ثانية» بعد 20 عاماً من اللقب الذي أحرزه المنتخب بقيادة مدربه الحالي ديدييه ديشامب (لاعباً) بالفوز على البرازيل بثلاثية نظيفة، بينها ثنائية لزين الدين زيدان.
وأضافت «نجمة ثانية ستدفعهم إلى دخول نادٍ آخر من الأبطال العالميين المتوجين أكثر من مرة باللقب العالمي إلى جانب (الترتيب حسب الظهور) إيطاليا، والأوروغواي، والبرازيل، وألمانيا، والأرجنتين».
وبالنسبة لصحيفة «لوباريزيان» لا يوجد أدنى شك: سواء ضد إنجلترا أو كرواتيا، بات لاعبو المنتخب الفرنسي «على أبواب الجنة»، و«سيكونون المرشحين للقب الغالي».
وحللت الصحيفة قائلة «لم يعد هناك زيدان، لكن مجموعة من اللاعبين الكبار المحاطين بلاعبين جيدين. قد يكون هذا فريق أكثر جماعية من مجموعة تدور حول عبقري»، معيدة تسمية هذا الفريق بـ«الخارقون».
من جهتها، كتبت صحيفة «لوموند»، أن لاعبي المنتخب الفرنسي الذين كانوا «وحوشاً» ضد منتخب «الشياطين الحمر»، تمكنوا مرة أخرى من الاعتماد على «كتلتهم» الدفاعية التي صمدت جيداً.
وأعربت صحيفة «ليكيب» عن إعجابها بثنائي محور الدفاع «القوي» رافائيل فاران وصامويل أومتيتي (مسجل هدف الفوز في مرمى بلجيكا)، ومن خلفهما القائد والحارس هوغو لوريس «العملاق» بين الخشبات الثلاث. ومنحت «ليكيب» تقييمها الأفضل في مباراة لهؤلاء الثلاثة.
وتابعت الصحيفة، أنه بعد 20 عاماً من الثنائية غير المتوقعة للمدافع ليليان تورام في مرمى كرواتيا (2 - 1 في نصف نهائي مونديال 1998)، حافظ أومتيتي على «تقليد المدافعين الفرنسيين الذين يسجلون أهدافاً في نصف النهائي مرة كل 20 عاماً».
وتصدرت صورة أومتيتي المعتاد على إنقاذ مرماه من الأهداف أكثر من تسجيلها في مرمى الخصوم، مختلف الصحف التي أشادت بتحامله على الألم الذي يعاني منه في الركبة اليمنى، ليتحول إلى بطل نصف النهائي.
وعلقت صحيفة «ليبيراسيون» قائلة «اللاعب المصاب الذي يخضع للعلاج كل يوم منذ أن وطأت قدماه روسيا، هو الذي فتح أبواب المباراة النهائية لكأس العالم أمام المنتخب الفرنسي الثلاثاء في سان بطرسبورغ».
وعلى غرار صحيفة «لا هوت مارن»، حيت الصحف اليومية أيضاً «الدور الحاسم للمدرب ديدييه ديشامب» الذي تعرض «لفترة طويلة لانتقادات شديدة»، لكنه «قدم فريقاً كبيراً» منذ الدور ثمن النهائي.
ويمكن لديشامب أن يصبح الأحد ثالث شخص يحرز اللقب العالمي لاعباً ومدرباً، بعد البرازيلي ماريو زاغالو والألماني فرانز بكنباور.
وفي سان بطرسبورغ، حيث أقيمت المباراة، غنى مشجعو منتخب فرنسا أثناء خروجهم من الاستاد، في حين غادر مشجعو بلجيكا في هدوء، لكنهم ظلوا فخورين بأداء منتخب بلادهم رغم الهزيمة.
وحققت فرنسا الفوز أمام الرئيس إيمانويل ماكرون الذي توجه إلى غرفة ملابس اللاعبين بعد المباراة.
ورداً على سؤال عن حوار ماكرون للاعبين قال المهاجم كيليان مبابي «أكد لنا (ماكرون) أن البلد كله معنا. نحن جميعاً سوياً في هذه المهمة، وإنه سيعود لمشاهدة المباراة النهائية ليرانا ونحن نحمل الكأس».
وأكد مبابي، أنه لم يكن يتخيل حتى في أفضل أحلامه أن يتأهل إلى نهائي كأس العالم، وقال: «حتى في أفضل أحلامي، لم أتخيل هذا... إنه حلم العمر، وحلم المستقبل».
وأضاف مبابي، مهاجم باريس سان جيرمان الفرنسي «ما زالت أمامنا خطوة واحدة إضافية. لكننا نفتخر بما حققناه حتى الآن... في غرف تغيير الملابس، كان ديدييه ديشامب (المدير الفني للفريق سعيداً)، كنا جميعا سعداء وعانق بعضنا بعضاً».
وأكد مبابي «كان من الصعب اللعب أمام فريق منظم يلعب بشكل جماعي رائع. كنا متحدين وأقوياء ولم نترك لهم المسافات. سنحاول الفوز بلقب هذا المونديال. علينا أن نستعد لذلك جيداً. سيكون لقاءً كبيراً وتاريخياً يوم الأحد. أعطينا كل ما لدينا في هذا اللقاء، ولم يكن لنا خيار غير ذلك لكي نفوز ونحافظ على تقدمنا. لم يبق سواء لقاء وسنحاول العودة بالكأس».
وأوضح زميله المهاجم أوليفيه جيرو «نحن سعداء جداً، لكننا لم نستوعب بعد أننا في النهائي. هدفنا الآن هو الفوز بالكأس. لم نترك للمنتخب البلجيكي المساحات. وسجلنا هدفاً مبكراً في الشوط الثاني. أغلقنا كل المنافذ أمام بلجيكا وضغطنا في الهجوم لكي نخفف الضغط على دفاعنا. وكنا أول خط دفاع. ركضنا طوال المباراة. أنا شخصياً لم أكن راضياً عن مستواي، وأعلم أنني لم أكن حاسماً وأضعت بعض الفرص. لم أقصر في أي جهد لمساعدة الفريق. كان سني 12 عاماً عندما فازت فرنسا بكأس العالم، ولا أعلم ماذا سيحدث إن حققنا ذلك يوم الأحد».
وأشار قائد فرنسا وحارس المرمى المتألق هوغو لوريس إلى أن فريقه كان قلقاً من تفوق المنتخب البلجيكي في الكرات الثابتة، لكن في تحول مثير للأحداث سجلنا نحن من ركلة ركنية عبر رأسية صمويل أومتيتي. وتصدى حارس فرنسا لفرصتين خطيرتين ليكرر أداءه البطولي في الأدوار السابقة، لكنه قلل من أهمية مستواه الفردي، وقال: «نحاول جميعاً مساعدة الفريق، وسيكون هذا هو الحال عندما نلعب النهائي».
وخسرت فرنسا بعد وقت إضافي في باريس في نهائي بطولة أوروبا 2016 أمام البرتغال، وحول ذلك علق لوريس «كان من الصعب للغاية تقبل ما حدث قبل عامين، ولا نريد تكرار ذلك مرة أخرى. نريد إنهاء هذه البطولة بأفضل طريقة ممكنة».
وأضاف «من الصعب أن نترك أنفسنا للبهجة، لكنه شعور رائع التأهل للنهائي، إنها مجرد خطوة إضافية رغم أنها مهمة للغاية. لعبنا مباراة جيدة جداً على صعيد التنظيم. كنا على مستوى التنافس في كل الجوانب».
وأعرب نجم خط وسط فرنسا، بول بوغبا، عن أمله في الفوز باللقب، وقال «لقد حققنا الفوز، لكن لا يزال هناك شيء أكبر، وهو نهائي المونديال».
وأضاف لاعب وسط مانشستر يونايتد الإنجليزي، الذي اعتبر الفوز على بلجيكا بنجومها الكبار مثل ايدين هازار وكيفين دي بروين بمثابة إنجاز كبير «قدمنا عرضاً تاريخياً وأصبحنا على بعد خطوة من اللقب».
البراغماتية سر النجاح
وبعد بداية بطيئة للفريق في دور المجموعات أظهر المنتخب الفرنسي تحسناً وتطوراً من مباراة لأخرى، وتوج ذلك بالوصول للمربع الذهبي، وأصبح مرشحاً بقوة للفوز باللقب.
واعترف المدرب ديشامب، بأن فريقه كان عليه أن يكون «براغماتياً» لكي يحقق الفوز على بلجيكا في الدور قبل النهائي، وقال «نعم، كان علينا أن نكون براغماتيين وواقعيين أيضاً، واجهنا فريقاً كبيراً، بلجيكا، لقد سيطروا على الكرة بشكل أفضل، لكننا تمكنا من الإضرار بهم».
وبلغت نسبة استحواذ المنتخب البلجيكي على الكرة في مباراة نصف النهائي 60 في المائة، كما نفذ عدداً من التمريرات فاق ما قام به نظيره الفرنسي بمقدار الضعف، بيد أن رأسية أومتيتي سجلت الهدف الوحيد لفرنسا في المباراة وقادتها إلى نهائي المونديال.
وتابع ديشامب «لديهم طريقة لعب جيدة، لكن لاعبينا كانوا جاهزين لأي سيناريو». كما أشاد «بالقوة الذهنية» التي تمتع بها لاعبو فرنسا رغم صغر أعمارهم.
وقال ديشامب، إنه تابع احتشاد الكثير من الجماهير في العاصمة الفرنسية باريس للاحتفال بهذا الفوز، لكنه حذر في الوقت نفسه من الإفراط في التفاؤل، واستطرد «لسنا أبطال العالم بعد».
وطالب المدرب الفرنسي بعدم عقد مقارنة بين ما يحدث في مونديال روسيا ومونديال 1998 عندما توجت فرنسا باللقب للمرة الأولى، وأكمل «هذه قصة مختلفة، لا يمكن عقد مقارنة، نحن هنا لكي نكتب صفحة جديدة في التاريخ».
ويمكن القول، إن فرنسا بلغت المباراة النهائية بفضل صلابة دفاعها الذي كان أيضاً فاعلاً في تسجيل الأهداف.
وللمباراة الثالثة على التوالي في الأدوار الإقصائية، احتاج المنتخب الفرنسي الذي يتألف خط هجومه من الثلاثي الخطر أنطوان غريزمان وأوليفييه جيرو والشاب الموهوب كيليان مبابي، إلى هدف من مدافع لضمان مواصلة مشوار البحث عن اللقب العالمي الثاني بعد مونديال 1998 على أرضه.
في الدور ثمن النهائي ضد الأرجنتين، كان الظهير الأيمن بافار بتسديدته القوية، مسجل هدف التعادل (2 - 2) الذي أعاد فرنسا إلى المباراة، قبل أن يكمل مبابي المهمة ويسجل هدفين لينتهي اللقاء 4 – 3، وفي ربع النهائي ضد الأوروغواي، كسرت رأسية المدافع رافائيل فاران التعادل السلبي، قبل أن يضيف غريزمان الهدف الثاني وتنتهي المباراة 2 - صفر.
وفي نصف النهائي بسان بطرسبورغ، كان الهدف الوحيد برأسية أيضاً من مدافع برشلونة الإسباني أومتيتي، كافياً لإيصال فرنسا إلى النهائي الثالث (بعد 1998 حين فازت على البرازيل، و2006 حين خسرت أمام إيطاليا)، وحرمان الجيل الذهبي البلجيكي من خوض النهائي الأول له.
وأعاد هدف أومتيتي التذكير بهدفي الظهير الأمين ليليان تورام ضد كرواتيا (1 - 2) في نصف نهائي مونديال 1998، واللذين قادا بلاده أيضاً للنهائي.
لم تكن فرنسا خارج نادي المرشحين لإحراز اللقب في مونديال 2018. بلوغها المباراة النهائية ليس مفاجأة، ولا سيما أن كل المرشحين البارزين الآخرين (ألمانيا بطلة 2014، البرازيل، الأرجنتين، وإسبانيا) خرجوا تباعاً، وكان الأفضل فيهم الفريق البرازيلي الذي وصل إلى ربع النهائي قبل أن يخرج أمام بلجيكا 1 - 2.