الانتقام في حماة من حافظ الأسد
سجلت إيران مفاجأة إستراتيجية كبرى بامتناعها -إلى حد الآن- عن تقديم دعم ملموس لنظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، في الوقت الذي يواجه فيه النظام ساعات مصيرية قد تحدد مستقبله إما إيجابا (البقاء) أو سلبا (الرحيل)، في حين تعثر حزب الله -وهو الأقرب جغرافيّا- في إرسال الحد الأدنى من القوات “المشرفة” للقتال إلى جانب القوات السورية في مواجهة اجتياح قوات هيئة تحرير الشام عددا من المدن الرئيسية، واقترابها من قطع الطريق الذي يربط منطقة الساحل بالعاصمة دمشق عبر محافظة حمص وريفها.
وإلى حد الآن، ومع تقدم هيئة تحرير الشام نحو مدينة حمص الإستراتيجية، لا يزال الإيرانيون يفكرون في إرسال أسلحة إلى الأسد، وهو ما يؤكد أمرين، الأول أن الوجود الإيراني في سوريا تضاءل بشكل يجعله عاجزا عن مواجهة تقدم المسلحين الإسلاميين، وهو ما يعود إلى الضربات الإسرائيلية النوعية التي طالت قادة بارزين في الحرس الثوري ودمرت مقرات عسكرية لإيران وحلفائها على الأراضي السورية.
أما الأمر الثاني فهو تردد القادة الإيرانيين في العودة إلى سوريا والتخوّف من استهدافات إسرائيلية جديدة تضرب قيادات بارزة في الحرس الثوري، وفي الوقت نفسه لا تريد إيران أن تتدخل بكل ثقلها لدعم الأسد وتكسر مقاربة الحرب بالوكالة التي تعتمدها، خوفا من أن تتحول سوريا إلى مستنقع لها في وقت يبدو فيه أن المسلحين الإسلاميين قد حصلوا على تسليح كبير ونوعي مكنهم من إجبار القوات السورية المتهالكة على الانسحاب من حلب وحماة والعشرات من القرى والبلدات في ريف المدينتين الإستراتيجيتين.
وقال مسؤول إيراني كبير الجمعة “من المرجح أن طهران ستحتاج إلى إرسال معدات عسكرية وصواريخ وطائرات مسيرة إلى سوريا،” مضيفا “الآن تقدم طهران دعما لسوريا بمعلومات المخابرات والأقمار الاصطناعية.” وتابع “إيران وسوريا تتفقان على منع المسلحين من التقدم نحو المدن الكبرى. ولم تطلب سوريا بعد قوات برية من إيران،” مؤكدا أن “القرار متروك لسوريا وروسيا لتكثيف الغارات الجوية في المرحلة الراهنة.”
ويوحي كلام المسؤول بأن الهدف منه تبرئة الذمة بالقول إن سوريا لم تطلب قوات برية، وإلقاء مسؤولية حماية الأسد على عاتق الطيران الروسي رغم أن طهران تعرف أن القوات الروسية منشغلة كليا بالحرب في أوكرانيا.
وفقدت إيران أهم أوراقها في سوريا بعد الضربات الإسرائيلية القاصمة التي طالت حزب الله، وخاصة مقتل قياداته السياسية والعسكرية والمئات من مقاتليه وتفكيك مخازن سلاحه، ما يجعل عودته إلى سوريا لإسناد الأسد أمرا صعبا، ويمكن أن تقود مغامرة مثل هذه إلى إنهاء الحزب عسكريا وإثارة غضب شعبي ضده في لبنان بما في ذلك حاضنته الشيعية، التي لا تزال تعاني من مخلفات الحرب مع إسرائيل.
وقال مصدران أمنيان لبنانيان كبيران إن حزب الله أرسل الليلة قبل الماضية عددا صغيرا من “القوات المشرفة” إلى سوريا بهدف المساعدة على منع تقدم مقاتلي المعارضة من الاستيلاء على مدينة حمص. وقال ضابط من الجيش السوري ومسؤولان من المنطقة تربطهما صلات وثيقة بطهران إن قوات نخبة من جماعة حزب الله المدعومة من إيران عبرت من لبنان خلال الليل واتخذت مواقع في حمص.
ويرى مراقبون أن حزب الله لا يريد خسارة الصورة التي رسمها لنفسه بين أنصار “محور المقاومة” بأنه يمثل طليعة من يعملون على حماية نظام الأسد، لكن الأمر لم يعد بيده، خاصة أن قوس الحرب مع إسرائيل لم يغلق والحزب خسر الآلاف من مقاتليه في سوريا ثم في الحرب مع إسرائيل، ولن يقدر على القتال على واجهتين.
ولا يمتلك الحزب حرية الحركة باتجاه سوريا في ظل المراقبة الإسرائيلية للمعابر التي يعبر منها سلاحه ومقاتلوه. وقال الجيش الإسرائيلي الجمعة إنه “شن غارات على طرق تهريب أسلحة وبنى تحتية إرهابية قرب معابر النظام السوري عند الحدود السورية – اللبنانية”، مرفقا بيانه بخارطة تشير إلى معبر العريضة الحدودي الذي يربط سوريا بشمال لبنان.
ومن المرجح أن إيران فقدت كذلك ورقة ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، التي تجد نفسها محاصرة بموقف داخلي وخارجي معارض للحرب.
ولا تريد حكومة محمد شياع السوداني التورط في النزاع السوري بأي شكل حتى لا تخسر ثقة الأميركيين ولا تكون هدفا لضربات إسرائيلية. وفي الوقت نفسه لم تحصل فصائل الحشد على “فتوى كفائية” من المرجعية الدينية في العراق، ما يجعل مشاركتها في الحرب مغامرة، خاصة في ظل رأي عام عراقي معارض لأي مغامرة في سوريا.
وفي مقابل الورطة التي تعيشها إيران الممزقة بين التدخل وعدم التدخل، يطلق الرئيس التركي يوميا تصريحات تفيد بأنه أكبر مستفيد مما يجري، وصار يصفق لـ”انتصارات” المسلحين الإسلاميين، ويحثهم على أن تكون دمشق هي الهدف. ويؤكد هذا ما يتواتر من أنباء منذ بدء التحرك العسكري للمعارضة تفيد بأن تركيا هي التي خططت للهجوم ورتبت له، وأن كلام أردوغان هو رسائل توجيهية مشفرة إلى المعارضة.
ويقدم أردوغان نفسه إلى الغرب، وأساسا الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، كوكيل للجماعات المسلحة لصياغة تفاهمات على مرحلة ما بعد الأسد تكون فيها أنقرة هي الضامن واللاعب الذي يدير المشهد في سوريا بشكل يرضي الجميع ويجعل من تركيا وصيا على السوريين.
وقال أردوغان لصحافيين بعد صلاة الجمعة إنه يتابع عن كثب الهجوم الذي قال إنه يتجه إلى العاصمة السورية. لكنه أضاف أنه يتوجس من بعض القوات المشاركة. وأشار إلى أن “الهدف هو دمشق… نأمل أن تتواصل هذه المسيرة في سوريا دون أي مشكلة.”
ودفع تخلخل الوضع العسكري في البلاد فصائل في الجنوب كانت قد أبرمت مصالحة مع الأسد إلى الانقلاب عليه والالتحاق بالمعارضة من جديد.
وقال مصدران من المعارضة السورية المسلحة لرويترز الجمعة إن مقاتلين محليين سوريين ومقاتلين سابقين من المعارضة سيطروا على إحدى القواعد الرئيسية للجيش في محافظة درعا والمعروفة باسم اللواء 52 بالقرب من بلدة الحراك بينما امتد القتال إلى الحدود الجنوبية بين سوريا والأردن.
وأضاف المصدران أن هذه القوات سيطرت أيضا على أجزاء من معبر نصيب الحدودي مع الأردن بالقرب من قسم الجمارك، حيث تقطعت السبل بعشرات الشاحنات وسيارات الركاب.