قال أحدهم غداة الوحدة اليمنية وأثناء تفجر الأزمة السياسية التي أفضت الى حرب ١٩٩٤م: ( إذا اختلفوا- يقصد شريكي الوحدة- خطرا على الوحدة وإذا اتفقوا خطرا على الديمقراطية).
رأس جبل الثلج.... فاليوم وإزاء نشر غسيل الفساد و الفضائح والاتهامات التي تترى اليوم تباعا بين هوامير وعتاولة ورموز الفساد والهمجية -وإن بدت لنا مريعة إلا أنها المطلوب، وضالة المسروق التي ينشدها ،ليعرف بحجم ما ينهبه هؤلاء اللصوص من أموال طيلة سنوات مضت، بعد أن تغول وتوغل هذا الفساد أكثر منذ بداية هذه الحرب مطلع ٢٠١٥م. حين تلاشت بقايا المؤسسات واضحت رسوما وأثرا بعد عين.
فقبل هذا وحين كان هؤلاء على وفاق كان يتم النهب بصمت وبكل اطمئنان وبكل صفاقة، وكل طرف يغض بصره عن فساد وعبث الآخر دون أن يعرف الضحايا بالحجم الحقيقي مما نهب منهم ولم يعرفوا حينها إلا نتفا صغيرا من كومة سرقة كبيرة، وحين دبَّ الخلاف بالصورة التي تتكشف امامنا اليوم عرف الضحايا بحجم الكارثة ووكبر المأساة …
فتعايش هؤلاء اللصوص ووفاقهم كان يشكل هو الغبار الكثيف الذي يغطي عمليات النهب واللصوصية وحين انقشع هذا الغبار وتبدد النقع من فوق رؤوسهم ومن أمام أعين الجميع انكشف المستور أو بالأحرى انكشف جزءا منه. والقادم سيكون مزيدا من الانكشاف والتعري.
فتوافقهم بالأمس كان كارثة،وليس في اختلافهم اليوم خطرا على عوام الناس،بل هي منفعة قدمها الجناة للضحايا من حيث لا يقصدون. فلم يعد لدى المسحوقين ما يخشونهم من خطر اختلاف اللصوص واحتدام الخصومة والتنابز بالتهم والشتائم.
قد يقول قائل: وما فائدة ذلك طالما لا يوجد هناك رادعا يردعهم ولا تتوافر وسيلة لاستعادة الحقوق وطالما لا وجود لدولة او مؤسسات قضائية ودستورية تحاكمهم وفي ظل سيادة وطغيان الفساد على كل شيء . وهو قول وإن كان يغمره التشاؤم صحيحا ولكن على الأقل أن اللص اليوم اصبح مكشوفا تزدريه الأعين و تنظر إليه شزرا وتنزع اقنعة الفضيلة والوطنية الزائفة عن وجهه الدميم، وهذا الأمر يعد أقوى محكمة ومحاكمة بالوقت الراهن، حتى يقضي الله بيننا وبينهم أمرا كان مفعولا ونستعيد توازننا، ،فدوام الحال من المحال.
بقي ان نشير الى أننا حين نتحدث عن هؤلاء اللصوص فنحن بالضرورة نتحدث عن مؤسسة فساد متجذرة بأعماق المؤسسات والمجتمع منذ عقود تشد بعضها بعضا ولا نعني شخوصا بعينها .فلصوص اليوم هم امتدادا ووليدا شرعيا لثقافة الفساد والنهب والتفيد العتيقة.