يبدو أنه من خلال المرحلة التي جاءت نتيجة الهبة التاريخية للشعب الجزائري في الثاني والعشرين من فبراير 2019 أن المجتمع بدء يلتمس استطاعة تسمية الأشياء بمسمياتها و يناقش بنوع من الإنصاف التاريخ الذي في حد ذاته كان محبوس إثر عوامل و معطيات قاهرة تراكمت عليه و ألزمته الصمت ولم تعطه الفرصة و لم تساعده على أداء رسالته لتبليغ الأمة الجزائرية التي تنقصها رؤية واضحة و خالية من الضباب في ما سبق و تجعلها تدرك الفلك الذي تسير فيه. من الطبيعي و المعقول أنه بعد الاستقلال يكون سير السفينة يتخلله بعض الهفوات و التجاوزات في بعض الأحيان نظرا لنشأة البلاد. لكن لابد أن لا يخل هذا بحب الوطن و إلا ضاع الوطن و ما فيه.
والآن يجب إلزام التاريخ أن يدلي بالأحداث الحقيقة التي أصبح المواطن جدير بها و متهيئ لها من جانب الإدراك و الوعي و يلح عليها حيث جاء وقت مشاركة كل مَنْ له حكمة و دراية يراها فرض عين فعليه أن يساهم و لو تدريجيا و هنا حتى التاريخ لا يخاف من أين كان و لا من عدم فهم المجتمع تماشيا مع المرحلة التي وصلت إليها الأمة الجزائري مقارنة بالسابق. و من هذا المنطلق يجب أن نصف مَنْ أصلح و مَنْ أفسد بالتي هي أنجع. فكلنا ننادي التاريخ بالحقيقة و نطالب بمَنْ له الإثبات الدامغ أن يساهم في دعم هذا التاريخ الذي أصبح مطلبا ملحا من طرف الجيل الجديد و ذلك بأسلوب يزيد في وعي المواطن و يثبت البلاد على الممر المعبد الذي يزيدها في توضيح الرؤية و معرفة أين تضع خطواتها المستقبلية خارجيا و داخليا و في كل المجالات من أجل تطويرها و ازدهارها.
لكن إذا وصلنا إلى هذه المرحلة و هي لا محالة وشيكة، فهل رأي الأمة تدرك مقدار مسؤولياتها اتجاه الوطن و مساعدة السلطة في التسيير بما تتطلبه المرحلة حسب المعطيات المفروضة في الساحة و إدراك أهميتها هذا من جهة، أو على الأقل معرفة المواطن لمكانته و مشاركته و مساهمته حسب المطلوب و المقدور منه بدون التسبب في تدخل سلبي يجعلنا نتأخر ولا نتقدم و هذا يجب أن يفهمه الكل من جهة أخرى. إذا كان الظرف اليوم يفرض المناداة للتشاور من أجل المرور إلى مرحلة مطلوبة من المحيط الخارجي الظرفي، على البلاد أن تتخلص من كل تبعية سياسية و اقتصادية و تهيئتها بدور محوري في المنطقة دون غيرها فهذه فرصة يجب إدراكها و المساهمة فيها بقدر الممكن من طرف الجميع بدون استثناء و بدون شروط لأن الواقع ممزوج بتسيير مطمئن و بحكمة و تشاور و شفافية عائدة على الجميع و خالية من التضليل و الفكرة الآتية من وراء البحر من أجل توجيه الباخرة في الاتجاه المعاكس لما أراده و ضحى من أجله الأجداد. فالمبادرات التي جعلت السلطة الحالية تبني ركائز الدولة الجزائرية تدريجيا حسب قدراتها الجيو- إستراتيجية و استرجاع مكانتها التي فقدتها، بات عليها من الضروري توضيحها على كل المستويات حتى يصبح المجتمع المدني واعي و فاهم لأبعادها. و هذا ما يجب أن تقوم به المؤسسات الرسمية و غير الرسمية و خاصة دور الجمعيات و المجتمع المدني و وسائل الإعلام.