مصير أمتنا.. الشُّقّة والأمد

الأحد 16 مايو 2021 11:35 م

في كثير من القضايا ليس مطلوباً منا أن نكون على قلب رجل واحد، لأننا قد نختلف حول الزاوية التي نرى منها الموضوع، خاصة إذا تعلق بالحق، أو بما نراه مُقدَّساً، وليس هناك بالطبع أهم من النفس البشرية، غير أن هذا يتعلق بمحطات إثارة الجدل والنقاش، سواء أكان بجدٍّ أو بلهو، أو حتى لو أصبحنا نخوض مع الخائضين، لكن حين يتعلق الأمر بما هو مصيري، ومحل إجماع من الغالبية الصامتة أو من الأقلية الناطقة، ويحمل مرجعيَّة دينيَّة وتاريخيَّة، فإن الأمر يختلف تماماً، هنا لا بد من الحسم والميل بقوة البصيرة ـ ما دامت أبصار البعض قد زاغت ـ إلى ما هو حق لنا بغض النظر عن موقف الآخرين ونظرتهم لجهة القبول أو الرفض لطرحنا.

اليوم، وفي ظل الأوضاع المشتعلة في فلسطين، يتراجع الخطاب السياسي الرسمي العربي إلى المستويات الدنيا، زاحفاً على بطنه، باحثاً عن غار يختبئ فيه لأجل البوح للكائنات الأخرى وللحجر بفشل هو أقرب إلى سكرات الموت، وحين يغدو الخطاب موجهاً لغير العاقل، فإنه سيصنف عندها بأنه نتاج لغير العاقل، وفي ذلك مبرر للترويج لتلك الشعارات التي يطلقها البعض لجهة المساواة بين الجلّاد والضحية.

أُدْرك أن أهله يشعرون بالفشل، حتى لو أخذتهم العزة بإثم المواقف، ويودون لو أن «غير ذات الشوكة تكون لهم»، ومع ذلك يصرون على أنهم يحسنون صنعاً، لاعتقاد منهم بأن الرفاهية في كل مجالات الحياة هي نتاج التسليم بالواقع، وفي الحقيقة، أنه عبر التاريخ البشري، ما وصلت أمة أو شعب إلى الرخاء والرفاهية إلا بعد تحقق شرطين، الأول: المكوث والاستقرار ـ براً أو بحراً ـ بما يحقق مجالاً جغرافيّاً محددّاً، اتساعه أو ضيقه مرهون بمد أو جزر الحيز الجغرافي، والثاني: التطور الذاتي، المعنوي والمادي.

أحسب أن الشعب الفلسطيني اليوم، بتضحياته الكبيرة، يثبت وجوده في الأرض، مع أن غيره من إخوانه العرب يرحلون من بلدانهم في هجرات مبررة وغير مبررة إلى دول الآخرين، بعد أن ضاقت عليهم أوطانهم بما رحبت، أو ضيقوها هم بأفعالهم، وهو بذلك يقوم شاهداً عن العرب جميعهم.

الفلسطينيون، وهم يحددون مصيرهم على الأرض، برهنوا لنا بما لا يدع مجالاً للشك، أن كلفة التطور الذاتي ليست مالاً فقط، وإنما أنفس أيضاً. إنهم يصنعون حياة أخرى بالذود عن أرضهم ومقدساتهم، ويستنهضون همة أمة، ستنتهي إلى المواجهة حتى لو بعدت عليها الشُّقَّةُ أو طال عليها الأمد، فمصيرها ليس عرَضاً قريباً، ولا سَفَراً قاصداً.

التعليقات