بدرية طلبة بين ثنائية الوهم والثقافة العامة

الجمعة 22 أغسطس 2025 7:01 م

يمكن بإيجاز تعريف الثقافة العامة بأنها "مجموعة السِّمات والخصائص التي تعتقدها جماعة بشرية في مجتمعٍ ما، وتظهر في سلوكهم وتعاملاتهم"، وفي بلادنا اعتاد الناس أن الراقصة والممثل واللاعب هم رموز المجتمع، كما اعتادوا أيضًا أن صاحب الفكر والإنتاج العلمي والأدبي لا مكانة له؛ لأن إنتاجه لا يغذِّي سوى العقول، وهذه العقول التي تحتاج إليه مشغولة بتوجُّهات أخرى تتمثل في إغراءات المال والنفوذ والشهرة التي تُصب صبًّا على من لا يُحسن شيئًا سوى الرقص أو التمثيل أو اللعب.
تلك الثقافة العامة التي انحرفت منذ عقودٍ عن مسارها الصحيح، فجعلت التلميذ في المدرسة إذا احترم جميع معلِّميه لا يحترم معلم اللغة العربية؛ لأن الثقافة التي نشأ في ظلالها ذلك التلميذ تنظر إلى اللغة العربية كما ينظر الصحيح إلى الأجرب؛ تلك التيارات الثقافية المنحطة التي تستقدم من بلاد العجم من يحققون كتب تراثنا العربي؛ تلك التيارات الثقافية التافهة التي تعمِد إلى أناس لا يعرفون شيئًا من أوزان الشعر، وتجعلهم محكِّمين في كبريات المسابقات الشعرية العربية.
تلك التيارات الثقافية التي تؤمن بأن مفهوم الثقافة لا يخرج عن "الرقص والعزف والتمثيل"، فأصبحت تأتينا بوزيرة "آلاتية" ثم تعقبها بوزيرة "راقصة"، ولا يريدون أن يدركوا أنَّ الثقافة السَّويَّة هي التي تهتم بالكلمة وتدرك قيمتها وأهميتها ودورها في بناء المجتمع، لذلك يعملون بإصرار على إقصاء وتهميش كل ذي  فكر أصيل، حتى أساتذة الجامعات كثيرٌ منهم يعملون على اغتيال الطلاب النابهين النوابغ المتفوقين اغتيالًا معنويًّا ويقاتلون من أجل الحيلولة بينهم وبين أن يصبحوا زملاء لهم في هيئة التدريس، بل إن مؤسسات العمل (الرسمية منها والخاصة) إذا وُجِد بين العاملين بها موظف متفوق مجتهد؛ فإنهم ينظرون إليه باعتباره داءً يسارعون في التخلص منه زاعمين أنَّ بقاءه يضرهم، وبتطبيقٍ في غير محلِّه لقاعدة (مصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد)؛ بينما المصلحة الحقيقية تقتضي أن يجعلوه فوق رؤوسهم لا أنْ يحاربوه ويتخلصوا منه.    
وأخيرًا تلك التيارات الثقافية المنحرفة عن المسار الصحيح هي التي أوجدت الممثلة "بدرية طلبة"، وهي التي شجعتها على الإهانة التي وجهتها إلى الشعب المصري، وهي التي رسمت في ذهنها الصورة الوهمية التي تخيلتها عن نفسها وتعالت بها على الناس بغير حق.
إن الذين يجب عقابهم وتأنيبهم هم القائمون على منظُومة الثقافة العامة، والذي يجب تغييره وتصحيحه هو مسار الثقافة العامة، التي تُعَد بمثابة الفكر الموحَّد الذي يلتقي عنده أبناء المجتمع ويحوِّلونه إلى سلوكٍ يتعاملون به فيما بينهم.    
 

التعليقات