حزب الله ينظر للأمور بالمقلوب
كسر وزير الخارجية الأميركي الحالي مايك بومبيو القاعدة، وبدأ بإخراج السفراء من لعب أدوار ثانوية وإطلاق تصريحات تكميلية تتركها لهم وزارة الخارجية إلى وضع جديد يجعلهم صانعي سياسات وقرارات، مثلما هو الحال مع السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، والسفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند.
وفي العادة لا يكون السفراء الأميركيون أصحاب دور واضح، فيما يترك عادة لوزير الخارجية أو لوكيل أو مساعد وزير الخارجية تنفيذ المهام، لكن بومبيو لديه طريقة مختلفة تسمح للسفراء بالخوض في موضوعات شائكة في دول تواجدهم، ما يعتبر دليل ضعف لدى الإدارة الأميركية وتراجع في دور مجلس الأمن القومي.
وكانت أدوار السفراء الأميركيين في العالم قد تراجعت لاعتبارات عديدة منها الضربة التي تلقتها الولايات المتحدة أواخر الستينات ومطلع السبعينات في فيتنام، حين كان السفراء الأميركيون يتصرفون بصلاحيات كبيرة في سايغون.
أما الاعتبار الآخر فهو تزايد قدرة التواصل مع المركز في واشنطن بعد توفير خطوط اتصالات آنية ومشفرة بطرق تكنولوجية عالية الكفاءة ودوائر تلفزيونية مغلقة.
وإذا كان السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد يتدخل أحيانا بطريقة مباشرة في الملف السوري، وأحيانا يحدث أن يتدخل السفير الأميركي في بغداد بشكل علني في تفاصيل تهم الوجود العسكري الأميركي هناك، فإن السفراء في لبنان وليبيا باتوا صانعي سياسات.
ويعتمد الأمر في أحيان كثيرة على شخصية السفير، وعلاقته بالإدارة الأميركية وبالشخصيات النافذة فيها، والهامش الذي يترك له. فقد مر على لبنان، مثلا، سفراء أميركيون كثيرون لم يعد اللبنانيون يذكرون أسماءهم، لكن مر عليه في الفترة الأخيرة عدد من السفراء تميزوا بنشاطهم ومواقفهم، خصوصا جيفري فيلتمان وقبله ديفيد ساثرفيلد الموجود الآن في أنقرة، ثم ديفيد هيل والآن دوروثي شيا التي تخلف السفيرة إليزابيت ريتشارد التي لعبت دورا مهما على كل صعيد أيضا بسبب خلفيتها العسكرية، إذ كانت خريجة ويست بوينت.
وفرضت دوروثي شيا نفسها حديث الساعة في لبنان بعد أن أخرجت إلى العلن ما يفكر فيه الأميركيون وراء الكواليس بشأن حزب الله والطبقة السياسية المتعاونة معه ووضعت الجميع أمام اختبار الحقيقة.
وفيما سعى وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتي للإيحاء بأن وزارته طلبت لقاء مع السفيرة الأميركية للاستفسار بشأن تصريحاتها الأخيرة، انتهى اللقاء إلى ما يشبه الاعتذار اللبناني عن “إزعاج” السفيرة بعد قرار قضائي يمنع على وسائل الإعلام اللبنانية نشر أي تصريح لها.
ويدرك أغلب المسؤولين اللبنانيين أن دوروثي تمثل بلدا بات يمسك بمصير لبنان ماليا واقتصاديا، ويفرض على مسؤوليه الكف عن الازدواجية في المواقف بمغازلة واشنطن سرا وامتداح حزب الله علنا.
وشدد الوزير والسفيرة في بيان عقب اللقاء “على أهمية التعاون بين الحكومتين في المجالات كافة وذلك دعما للبنان للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها”.
وحملت شيا في مقابلة مع قناة “الحدث” بشدة على حزب الله. وقالت إن بلادها “تشعر بقلق كبير حيال دور حزب الله المصنف منظمة إرهابية”. واتهمت الحزب بأنّه “حال دون إجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية التي يحتاج إليها الاقتصاد اللبناني إلى حد بعيد”.
وكان حزب الله أوعز إلى أحد القضاة المحسوبين عليه بإصدار قرار يمنع وسائل الإعلام اللبنانية من محاورة شيا. واتهمت الخارجية الأميركية حزب الله “بمحاولة إسكات الإعلام اللبناني”.
وقال الكاتب السياسي اللبناني خيرالله خيرالله “بغض النظر عن الأدوار التي يلعبها السفراء الأميركيون في لبنان، يبقى أن لبنان كان دائما مهما للإدارة الأميركية، خصوصا بسبب العلاقة التاريخية بين البلدين. فالجامعة الأميركية في بيروت التي تخرج منها آلاف العرب تأسست في العام 1866”.
واعتبر خيرالله في تصريح الى ” جنوب العرب” “ليس سرا أن الوجود الإيراني في لبنان بعد العام 1979، ارتبط بالتخلص من الوجود الأميركي في لبنان. ويمكن استعادة نسف السفارة الأميركية في بيروت في أبريل 1983 ثم نسف مقر المارينز قرب مطار بيروت في أكتوبر 1983 أيضا”.
وتسيطر الخارجية الأميركية عن طريق دبلوماسييها على الملف الليبي، رافعة شعار التصدي للتمدد الروسي في البلاد وإن كان على حساب إغراق ليبيا بالآلاف من المرتزقة السوريين، من بينهم عناصر من تنظيم داعش وجبهة النصرة.
ولا يخفي السفير ريتشارد نورلاند دعمه للتدخل التركي في ليبيا حيث وصفه في أكثر من مناسبة بـ”الدور الإيجابي” وبرره بـ”التصدي للدور الروسي”.
ويتحرك نورلاند على نحو مكثف مقارنة بمن سبقه من الدبلوماسيين الأميركيين حيث ينظم لقاءات مع مختلف الأطراف في الشرق والغرب ويشرف حتى على الاجتماعات الأمنية التي كان آخرها لقاء مدينة زوارة الذي عقد الأسبوع الماضي بين وفد من القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج ووزير الداخلية فتحي باشاغا وعدد من العسكريين التابعين لحكومة طرابلس.
وتتهم عدة أوساط ليبية الخارجية الأميركية بالوقوف وراء رفض تركيا والإسلاميين لوقف إطلاق النار والسعي إلى إشعال حرب جديدة للسيطرة على سرت والجنوب والموانئ النفطية.
ورغم إعلان مجلس الأمن القومي الأميركي ضرورة وقف إطلاق النار مرحبا بمبادرة القاهرة لحل الأزمة الليبية لم تتردد الخارجية الأميركية، على لسان ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، في إعلان رفضها للمبادرة مبدية رغبتها في وساطة أممية للصراع.
وعكس تعيين الخارجية الأميركية لنورلاند في أغسطس الماضي، بعد سنوات من الاكتفاء بقائم بالأعمال على رأس السفارة، اهتماما أميركيا بالملف الليبي.
وقبل ذلك، جرى تعيين القائمة السابقة بالأعمال في السفارة الأميركية في ليبيا ستيفاني ويليامز نائبة للمبعوث الأممي المستقيل غسان سلامة، وهو الأمر الذي وصفه مراقبون حينئذ بأنه يندرج في سياق التنافس الأميركي الفرنسي على ليبيا باعتبار أن سلامة يحمل الجنسية الفرنسية إلى جانب اللبنانية.
وتم تعيين ويليامز بعد استقالة سلامة مبعوثة أممية مؤقتة إلى ليبيا، وهي الفرصة التي لا تريد الخارجية الأميركية أن تخسرها لذلك تعرقل تعيين مبعوث دائم جديد حسب اتهامات فرنسية ألمانية.