أين سيأخذ «تبون» الجزائر؟

الاثنين 15 يونيو 2020 4:39 ص

حين كنتُ أستمع لإجابات الرئيس عبدالمجيد تبون في لقائه الأخير مع ممثلي الصحافة الجزائرية ـ 12يونيو الجاري ـ عادت بي الذكريات إلى السنوات الأولى للاستقلال، حين كنت وزملائي نجلس على حصير في قرية نائية بالجنوب الجزائري، تخترق أثوبنا البالية سموم برد الشتاء، وفي الصيف تهاجمنا العقارب ـ التي يحملها إلينا حر الصيف ـ من شقوق حيطان مدرسة قديمة كانت يوماً مسكناً لعائلة.. آنذاك لم تكن الدولة الجزائرية قادرة على بناء مدارس، لكنها منذ لحظة ميلاها بعد الاستقلال بدَت متمكنة من الحضور.

بتلك التنشئة استطاعت الدولة أن تُعمِّق فينا روح الوطنية، وها هي اليوم تُحْيي ـ كما جاء في حديث تبون ـ تجارب النخبة الجزائرية بنت المدرسة الوطنية ـ خاصة في مجال الطب ـ محلياً وعالمياً.. إنها عودة لتمكين الدولة الجزائرية من جديد، ومع ذلك فإن قرارات ومواقف وخطابات وتصريحات الرئيس تبون تعمق فينا روح المسؤولية التاريخية، لتفرض علينا طرح السؤال الآتي: أين سيأخذ تبون الجزائر؟.. هل إلى بر النجاة والانطلاق، أم إلى مزيد من الغرق في وحل الفساد؟.

السؤال السابق مع أنه استشرافي، إلا أنه لم يكن وليد اللحظة الراهنة، وإنما شَقَّ طريقه في ظل فوضى عارمة، كان الهدف منها مزيداً من انهيار منظومة السلطة الجزائرية في مقابل حراك شعبي فاعل، حاول كثيرون من خلاله دفع الجزائر لتكون على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بهم بعد فوز تبون، وبقيت الدولة صامدة، وعندما كان مبرر رفض انتخاب تبون من كثيرين، لجهة القول: إنه ابن السلطة والنظام، ناهيك عن أنه كان لسنوات في الحكم مع طبقة فاسدة، كان هو الدافع الأساسي لانتخابه بالنسبة لي، ذلك أن تجارب الدول أثبتت أن التغيير الكلي للسلطة، وإحلال من لا تجارب لهم يؤدي في الغالب إلى انهيار الدولة بالكامل.


لقد كنا في حاجة إلى قائد يعرف معنى البناء، ونحسب أن عبدالمجيد تبون كذلك ،ولن نزكي على الله أحداً، ذلك أنه أدخل الجزائر مرحلة مؤسساتية في وقت قصير، لم يستوعبها كثيرون بعد، ويتجه بها نحو الانطلاق، والبداية من ذلك التنازل بوعي عن سلطاته لصالح الشعب، بما في ذلك مصير الجيش مع أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع.. إنها ليست سياسة شعبوّية، وإنما رشد قائد، لا يحتاج منا مديحاً، ولا نحن في حاجة إلى مدحه، ولكن بالتأكيد سنسأل عن شهادتنا في الظاهر، وعلينا أن ندلي بها اليوم وليس غداً، والله أعلم بالسر وما أخفي.

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر