حسان دياب ليس مصطفى الكاظمي

الثلاثاء 19 مايو 2020 2:56 م

تحمل تسمية مصطفى الكاظمي رئيساً لحكومة العراق ثم نيله الثقة، بذور تصحيح، ولو هشة، لمسار سياسي عراقي سابق، تميز بفائض الهيمنة الإيرانية على القرار السيادي العراقي. شهد هذا المسار محطات تفلُّت سابقة، مثل حكومة حيدر العبادي، كما شهد إطباقاً إيرانياً هائلاً على القرار السياسي، كتجربة نوري المالكي بعد انتخابات 2009.
يحلو للبعض أن يقارن بين رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب والكاظمي، باعتبارهما لحظتين في سياق واحد يتعلق بتصويب أو تحجيم النفوذ الإيراني في لبنان والعراق، وهي مقارنة لا يمكن أن تكون أكثر خطأ.
يتحدر الكاظمي من أمكنة خارج ديناميات حزب «الدعوة»، وبقية أحزاب الإسلام السياسي الشيعي الكلاسيكية التي أنتجت كل رؤساء الحكومة العراقية، باستثناء الرئيس إياد علاوي.
الكاظمي من شخصيات ما يعرف بالخط الوطني العراقي، ولو لم يكن من أبرزها، المندفعة نحو بناء عراق مستقل غير معادٍ لإيران، وغير خاضع لسلطانها السياسي. وهو نشط سياسياً في كنف أحمد الجلبي، والشخصية الإشكالية بالنسبة للعراقيين كنعان مكية، ومؤسسة الذاكرة التي يثير عراقيون كثر حولها سيولاً من الأسئلة. وفي موقعه كمدير للمخابرات العراقية العامة، نسج خيوطاً صلبة مع واشنطن والبيئة الاستخباراتية الأميركية والغربية عموماً، ما جعله هدفاً دائماً لانتقادات وحملات الميليشيات التابعة لإيران، لا سيما «كتائب حزب الله».
فقد اتهمته الكتائب بالتورط، من موقعه الأمني، في قضية مقتل قاسم سليماني في بغداد، وعادت وجددت هذا الاتهام له حتى بعد تشكيله الحكومة.
أما برنامجه الداخلي المعلن، فيرتكز على مطالب الانتفاضة العراقية، وأبرزها:
1- التحقيق في مقتل 700 متظاهر عراقي وجرح الآلاف، ومحاسبة المسؤولين.
2- العمل على انتخابات برلمانية مبكرة.
3- مكافحة الفساد.

وهي مطالب ثلاثة لو تحققت، تقع في صلب تفكيك بنية الهيمنة الإيرانية في العراق، القائمة على القمع والهيمنة على القرار السياسي من داخل المؤسسات الدستورية والفساد. إلى هذه المطالب الثلاثة ثمة معركة رابعة بالغة الصعوبة بدأ الكاظمي الاحتكاك بها منذ أيامه الأولى، وهي كيفية تغليب نفوذ الدولة على نفوذ «الحشد الشعبي»، وإخضاع الأخير لها بدل أن يكون ذراعاً مستقلة تتفرع عن جسم الدولة العراقية.
كانت لافتة صورة اجتماعه الأول بفصائل «الحشد الشعبي» التي توزعت عن يمينه ويساره، وفق خطوط الانقسام داخل بنية «الحشد»، فجلست المجموعات الموالية للمرجع السيد علي السيستاني إلى يساره، وجلست الفصائل الأخرى، وعلى رأسها «حزب الله العراق» والتي تقلد المرشد الإيراني علي خامنئي، إلى يمينه، كأن الكاظمي هو نقطة الالتقاء الصعبة بين الطرفين.
كل هذه الإشارات الرمزية والسياسية صحيحة؛ لكن من المفيد التعامل بحذر شديد مع ما يمكن للكاظمي تحقيقه. فإيران تدرك كل ما سلف، وهي تعلم بدقائق المفاوضات التي أوصلت إلى تسميته ومنحه الثقة، وتعرف أن فشلها في فض اشتباكات حلفائها ضمن البيت الشيعي الواحد، بعد غياب الناظم السياسي الجنرال سليماني، أفضى إلى الحكومة الراهنة؛ لكنها في الوقت نفسه، تمون على القوى السياسية الأكثر فاعلية في العراق الذي تتصدر حياته السياسية ميليشيات تابعة لإيران وليست أحزاباً سياسية، ما عدا الحالة المرتبكة والشديدة التناقض التي يمثلها السيد مقتدى الصدر.
أما الرئيس حسان دياب في لبنان، فهو يرأس حكومة شكَّلتها بالكامل القوى الحليفة لـ«حزب الله»، ومنحتها الثقة من دون أي مشاركة من الأحزاب المختلفة مع إيران. وقد تبنت الحكومة سردية «حزب الله» وحلفائه عن أسباب الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي الذي يعانيه لبنان، عبر تحميل مسؤولية الأزمة للحريرية السياسية، ومن دون أي إشارة لمسؤولية «حزب الله» وحلفائه عن ضرب البيئة الحاضنة لاقتصاد قابل للنمو، ومسؤولية حلفاء «حزب الله»؛ لا سيما تيار رئيس الجمهورية، عن مفاقمة الديْن العام بسبب الفشل المتنامي في إدارة وتطوير قطاع الكهرباء المسؤول عن نحو نصف الديْن العام اللبناني.
كما أن الفوارق الموضوعية بين العراق ولبنان لا تسمح بمثل هذه المقارنة. فلا يوجد في لبنان قوة حقيقية توازن الحضور الإيراني فيه، كما هي حال الولايات المتحدة في العراق. فلبنان محتل سياسياً من إيران، وميدانياً عبر ميليشيا «حزب الله»، مع مقدار متذبذب من القدرة الأميركية على إحداث بعض التوازن الذي يمنع الابتلاع الكامل للبلد، وهو أمر لا تريده إيران أصلاً.
كما أن العنصر الشيعي في لبنان عنصر متماسك بالكامل حول الدور الإيراني، مع حالة نخبوية شيعية رافضة للهيمنة الإيرانية، ولكن غير معروفة الحجم، ومعدومة القدرة على التحول إلى قوة سياسية في أي أفق منظور. في المقابل، فالساحة الشيعية العراقية شديدة السيولة والتنوع والتعدد، إن كان داخل منظومة الأحزاب الرئيسية أو في قلب المجتمع المدني العراقي، الذي ظهرت ملامحه في مرحلة المظاهرات عبر نقابتي المحامين والأطباء أو اللجان الحقوقية، بالإضافة لوجوه الوسطين الثقافي والفني.
في العراق وعبر الكاظمي، قدَّمت إيران بلا شك خطوة تراجع، ولكنها خطوة تكتيكية، تمتلك للضغط عليها كثيراً من الأدوات ومصادر النفوذ السياسي والشارعي، إذا ما أحست أنها تواجه تحدياً جدياً في الأساسيات. في لبنان لا يمكن إدراج حسان دياب في خانة مماثلة، فالهيمنة الإيرانية مكتملة النصاب تقريباً، ما يجعل كسرها واجباً بخطوة أكبر من حسان دياب.
وإذا كان لا بد من المقارنة، فإن شخصية كالقاضي الأممي الحالي والسفير الأممي السابق الدكتور نواف سلام هو كاظمي لبنان، بمعنى أنه يحمل إمكانية تصحيح فعلية لمسار الهيمنة الإيرانية، وإن كنت أميل إلى أن فرص نجاح الرجلين محدودة.
فإيران ليست في مزاج تراجعي، وإن قدمت تنازلات موضعية تكتيكية هنا وهناك؛ لأنها تعرف أن حصانتها مرهونة بمتابعة نهج الهيمنة في العراق ولبنان وسوريا، على الرغم مما تواجهه في كل هذه الساحات من تحديات قاسية.
الحل للمسألة الإيرانية يقع في إيران وليس خارجها. من هنا يتمحور الموقف الصحيح لـ«حكومات تأديب إيران» العربية، حول دعم السياسات الدولية عامة، والأميركية خاصة، لمزيد من محاصرة إيران وإنهاكها في الداخل الإيراني قبل الخارج.
أي مكسب إضافي كمثل حكومة في العراق أو لبنان تكون أقل توجهاً إلى إيران، هو مكسب يستوجب الترحيب والدعم من دون فائض الرهان عليه.

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر