فوبيا كورونا.. وحماية الغيب

الثلاثاء 10 مارس 2020 2:43 م

تنصَبّ أحاديث البشر ـ هذه الأيام ـ بكل اللغات الحية منها والميتة، أو تلك التي في طريقها إلى الانقراض، حول فيروس كورونا، باعتباره عدواً يتربص بنا، وعلينا مواجهته في حرب لا ندري إن كنا سننتصر فيها أو تكون نهايتنا مثل أمم كثيرة سبقتنا، وواضح أن مساحة الخوف منه تزداد كل يوم، وقد يتحول إلى«فوبيا»، أو هكذا هو بالفعل اليوم.

وبخصوص كورونا هناك أمران يثيران الانتباه، الأول هو: أن خوف الحكومات والمؤسسات الدولية أكبر كثيراً من خوف الشعوب والأفراد، ربما لوجود شعور عام ببلوى مشتركة بين البشر لها أعراض مثيلة تصيبنا كل عام، تختطف منا أعداداً نراها قليلة مقارنة بعددنا الإجمالي، والأمر الثاني: اتساع العدوى في دور العبادة على النحو الذي رأيناه في إيران وكوريا الجنوبية، ومع ذلك يستمر الناس في إقامة شعائرهم من منطلق إيماني، والسؤال هنا: كيف تحمي الحكومات شعوبها من العدوى إذا أصرت على سلوك طريق العبادة بشكل جماعي؟

لا شك أن الأديان والمتعقدات تمثل «حماية غيبية» لأتباعها من فساد الدنيا، سواء بإيجاد بدائل منتظرة لوقائع حياتية مأسوية، أو بطرح تصورات توشك أن تكون ضرباً من الوهم، ومع هذا فإنها تنقل الأتباع من حالة الرفض الكلي إلى القبول بما تعتبره قدراً لا مفر منه، وفي ذلك بعض من الراحة وكثير من الهدوء في انتظار حدوث تغيير من جهد العلماء وانتصارهم النسبي، أو من فشلهم المرحلي أو الدائم.

هنا ينتهي التوظيف السياسي لأي بلوى أو وباء، ليس فقط لأن أي عمل سياسي مهما كانت خَيْرِيّتُه مجرد رد فعل، وإنما لكون التعلق بالغيب شفاء للنفوس من عبء المرحلة المؤلمة، مرحلة الظن وغياب اليقين.

البشرية اليوم على مشارف مرحلة جديدة هي من صُنْعِها، ألم تعمل على التقارب بين أفرادها من خلال وسائل التواصل بكل أنواعه؟ اعتقاداً منها أن ذلك يُغني عن الأحضان الدافئة، والأصوات الحانية، النابعة من أفئدة جذبها الشوق وأضناها، ثم تراكمت في كم عددي، حتى إذا ما ظنت أن ذلك الواقع غدا حقيقة، أدركتها الأمراض لتحيي فيها الشفقة والمودة، وكان آخرها فيروس كورونا، فدفع من جديد للبحث في المعاني السامية للقاء.

سيعيدنا كورونا ـ ولو بعد حين وبغض النظر عن مآله ـ إلى بُعْدنا الإنساني، لكنه سيبقى بلوى هذا الزمان، من خلاله سنعرف أينا أحسن عملاً، وبهذا يكون كورونا نعمة بالمعنى الفلسفي، وليس نقمة.

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر