اليمن الآن في مركز اللعبة الإقليمية و الدولية التي تهدد بإطلاق حرب مدمرة تشعل كل المنطقة . لم يحدث في مرحلة ما بعد الإستعمار ان ظهر صراع مثل هذا الصراع الإقليمي و الدولي القوي على بلد ما ، مثل ما يحصل اليوم على اليمن .
ان الآثار الخطيرة المترتبة على السياسة السعودية – الإماراتية المتعجرفة ، في حالة خروج الوضع الأمني عن سيطرتهما ، هذا أقرب الى الواقع . حتما سوف تحصل مواجهات بين الإسلاميين الأقوياء ( من حزب الإصلاح و القاعدة و داعش ) و الحكومة المؤقتة الضعيفة الموالية للتحالف و الحراك الجنوبي الممزق و الموالي ايضا للتحالف .
ان التقدم الدبلوماسي المحدود الذي تقوده سلطنة عمان بين أنصار الله و المملكة العربية السعودية لوقف إطلاق النار . بالاضافة الى ماقدمته المملكة العربية السعودية من صفقة بين حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي و المجلس الإنتقالي الجنوبي ، هي جماعة إنفصالية جنوبية موالية للإمارات ، لتفادي الإنهيار التام للتحالف المناهض لأنصار الله . و تمهيدا لمحادثات مستقبلية برعاية الأمم المتحدة بين أنصار الله و السعودية . الا ان هذا المسار الدبلوماسي المحدود لم يكن في مقدوره منع نشوب حرب شاملة في المنطقة .
ان الجهد الدبلوماسي المحدود الذي تقدمه دول الجوار أو الأمم المتحدة لم يهيئ أرضية صالحة للحل السياسي لحرب اليمن ، ولا يعالج المشاكل المحلية التي أدت الى الحرب . بالعكس خلق التحالف ظروف لاستمرار الصراعات بين القوى المحلية و تأجيج المشاعر المناهضة و المعادية لقوى التحالف . و فتح ثغرات يمكن ان تستغلها الجماعات السلفية الجهادية في جنوب اليمن لصالح القاعدة في شبه الجزيرة العربية و الدولة الإسلامية في اليمن اليوم . حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار .
في الواقع ، لا أحد يشكك في حقيقة أن عدم الإستقرار الدائم في اليمن يتغذى إلى حد كبير من خلال القوة الإقليمية الشرسة . في حين أن المنافسة الجديدة على اليمن لها جذورها في تاريخه القديم ــ فهو مزيج معقد من المنافسات السياسية و الاستراتيجية الجغرافية و حتى الدينية ــ فإن القصة أكثر تعقيدا .
الجهات الفاعلة الرئيسية في اليمن ، التي يجب أن تكون هي مصر و إيران و أثيوبيا ( القرن الإفريقي ) . هي ثلاث دول قوية عملت منذ عقود مع بعضها البعض لضمان أمن و إستقرار اليمن و بالتالي الأمن في الممرات المائية للبحر الأحمر . الدول الأخرى المسماة ــ المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة و غيرها ، هي دول حديثة النشأة قامت على أطراف اليمن التاريخية . هي لا يمكن ان تقوم إلا بدور إضافي أو وظيفي . دور السعودية و الإمارات الآن في التوتر و حرب اليمن الحالية قد أصبح معروفا . هي فقط تؤدي دور وظيفي فرض عليهم من قبل أمريكا و إسرائيل . تتبلور تلك الصورة بوضوح من خلال النزاع الحدودي بين اليمن و السعودية على المناطق الحدودية الغنية بالنفط و الغاز و المنافذ البحرية . أما الإمارات فقد أغراها موقع مدينة عدن و جزيرة سقطرى الهامين . مما لا شك فيه ان الاستراتيجيون الإماراتيون ينظرون الى عدن على انها بطاقة ضغط حاسمة يمكن ان تستخدمها أبوظبي في صراعها مع الرياض و القاهرة و في تعزيز و تطوير علاقتها مع إسرائيل و الغرب ، بشأن استخدام الممرات المائية في البحر الأحمر . شهدت العلاقات بين أبوظبي و الرياض تدهورا في الفترة القليلة الماضية . يرجع ذلك اساسا إلى النزاع المتزايد حول تقسيم النفوذ في اليمن الجنوبي المحتل .
الصراع السعودي ــ الإماراتي
من المؤكد ان السعودية تدعم الإسلاميين اليمنيين بالسلاح و النقد . الدافع وراء مساعدة الإسلاميين هو تحدي " القالب " الإماراتي ــ المجلس الإنتقالي اليمني الجنوبي . الرياض راضية عن النفوذ العسكري و السياسي المتنامي للحركة المناهضة للإمارات في اليمن ( الشرعية و حزب الإصلاح ) . كثفت السعودية من نشاطها الدبلوماسي بعد أحداث أغسطس الدامية 2019 لتهدئة الوضع و لضمان مصالح الرياض . لذا دعت رسميا المجلس الإنتقالي اليمني الجنوبي و الحكومة الشرعية إلى إجراء محادثات المصالحة تحت إشرافها ، في مدينة جدة ثم في الرياض ، انتهت باتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019 ، لكن لم يتم الإعلان عن موضوع المحادثات بالتفصيل ، قد يكون هذا مرتبطا بمحادثات " سرية " لتقسيم النفوذ بين الرياض و أبوظبي .
السعودية الآن تريد ان تحتفظ بالسيطرة الصارمة على جنوب اليمن حتى يتم إبرام إتفاق ، اولا مع أنصار الله و رسم حدودها الجنوبية مع الشمال اليمني . ثانيا ، ضمان تقسيم السلطة بين صنعاء و عدن ، على الا يضر ذلك التقسيم بمصالحها الجغرافية الاستراتيجية في اليمن . السؤال يكمن في نوع الدولة التي ينبغي أن تنشأ في اليمن الجديد و تدعمها الرياض . السعودية غير عابئة بالسياسة الإماراتية ، التى ترغب في إعادة دولة جنوب اليمن الى ما قبل عام 1990 . الرياض تدافع عن اليمن الموحد القوي بقيادة الشرعية . رغم ان السعودية و كثير من دول العالم ينظرون الى حكومة " عبدربه منصور هادي " على انها " دمية سعودية " . يبدو أن علاقة هادي مع القوى العربية و الدولية فاترة . بالتالي الرياض ، هي التي تقوم بحملات دبلوماسية نشطة ضد الإعتراف بالجنوب .
السعودية تعتبر اليمن ركيزة أساسية في إستراتيجيتها للأمن القومي ، التي لا شك أنها تجذبها القرب الجغرافي للبلاد و يمكن ان تكون أحد المنافذ البحرية لتصدير نفطها . يرى الاستراتيجيون السعوديون أن اليمن هي بطاقة ضغط مهمة يمكن أن تستخدمها الرياض في صراعها مع منافسيها في الخليج بشأن مواني التصدير . الفتور في العلاقات بين الرياض و أبوظبي في الفترة الأخيرة ، يرجع ذلك اساسا إلى النزاع المتزايد حول كيفية استخدام المواني و الممرات البحرية أضف الى تقاسم الثروات التي تمتلكها اليمن .
القضية الجنوبية بعد اتفاق الرياض
أعلن التحالف إعادة تموضع قواتها في عدن لتكون بقيادة المملكة العربية السعودية و إعادة إنتشارها .على أثر هذا تغيرت الخارطة العسكرية على الأرض .انتقلت السيطرة في محافظة عدن و شبوة و جزيرة سقطرى من يد المجلس الإنتقالي الى يد السعودية و الشرعية ، وكذا عمليا تم تقسيم حضرموت – المكلا ( سلطنة القعيطي سابقا ) للحضارم ، اسميا لتهدئتهم ، و سيئون و الوادي ( سلطنة الكثيري سابقا ) مناطق الذهب و الثروة النفطية بيد السعودية و الشرعية . أما محافظة المهرة تدريجيا يتعزز فيها التواجد العسكري للاخوان . لكن لم تقف الآثار السلبية لاتفاق الرياض 5 نوفمبر عند العمل العسكري فقط . لكن هيئة " البرنامج السعودي للتنمية و إعادة الإعمار لليمن The Saudi Development and Reconstruction Program for Yemen المشرف على هذه الهيئة السفير السعودي في اليمن السفير محمد بن سعيد الجابر " عقدة هذه الهيئة اجتماع لها في 10 نوفمبر 2019 و حضر الاجتماع رئيس الوزراء د/ معن عبد الملك و غيرهم . أي عمليا بعد الهيمنة العسكرية و الهيمنة الاقتصادية عبر البرنامج السعودي للتنمية ، تسقط بشكل مباشر السيادة الوطنية . ليتحول الجنوب اليمني الى مستعمرة سعودية .
اليمن في الميزان الأمريكي ــ الروسي
الولايات المتحدة دائما تشعر بالقلق من تأثير روسيا الاتحادية على بلدان الشرق الأوسط . أي تحرك روسي في هذه المنطقة دائما ما تربطه الإدارة الأمريكية بالمنظور الجيوسياسي . مثلا بعد فعاليات معرض الدفاع الدولي " آيدكس " في أبوظبي في بداية هذا العام 2019 . نشر مركز ناشونال إنترست The Nationals Interest الأمريكي مقال أشار فيه " ان التقنيات العسكرية الروسية المعروضة في " آيدكس 2109 " هي مزيج من التكنولوجيات الروسية الجديدة المطلوبة في السوق الخليجي . و ذات جودة عالية . هذا يدل على رغبة و طموح روسيا في دخول سوق السلاح في عدد من دول الخليج . لتكون واحدة من الموردين الرئيسيين للسلاح في المنطقة ، الذي يعتبر أكبر الاسواق الأمريكية للأسلحة . ان بيع السلاح بالنسبة للولايات المتحدة هام جدا . حيث يشير مركز ناشونال إنترست The Nationals Interest ان دخول التكنولوجيات الجديدة للروس الى اسواق دول الخليج سوف يعرض الاسواق الأمريكية للخسارة . هذا لا يمكن ان تسمح به أمريكا . أضف إلى ذلك ان التواجد الروسي قد يتعزز و يتطور مع دول المنطقة عبر سوق السلاح و هذا ايضا يساعد تلقائيا في نمو العلاقات التجارية و الاقتصادية الشاملة مع روسيا ، هذا ايضا لا يتناسب مع سياسة الولايات المتحدة و حلفائها الغربيين .
الولايات المتحدة تعرف ان بيع السلاح لم يكن المصدر الرئيسي لإيرادات الميزانية الروسية . رغم ان بيع السلاح ذات أهمية خاصة عند الروس . لكن هناك مبرر آخر كافي للقلق الأمريكي . الهجوم الناجح على شركة ارامكو و المصافي في المملكة العربية السعودية ، الذي كشف عن فشل السلاح الأمريكي في حماية هذه المراكز الحيوية . و ما أعقب ذلك من الاجتماعات المتلاحقة بين قادة روس و قادة من دول الشرق الأوسط . نتائج تلك الإجتماعات كانت إيجابية بما فيه الكفاية بالنسبة لروسيا . لذا خرج مركز ناشونال إنترست The Nationals Interest الأمريكي بالإستنتاج التالي هو : ان يصبح الوضع الجيوسياسي و السياسي في الشرق الأوسط أكثر تعقيدا ، حتى يصبح أحد العقبات الرئيسية أمام دخول روسيا إلى إلى الدول الغنية في المنطقة .
اليمن جزء هام في المنطقة . لذا ليس في مصلحة الولايات المتحدة انهاء حرب اليمن ، فهي مصدر للثروة ، بها تستنزف أمريكا الثروات الهائلة للسعودية و الإمارات . ذلك ببيع السلاح لهما و تدمير اليمن ، ثم الإستفادة من إعادة الإعمار .
موقف روسيا الدبلوماسي دقيق للغاية و حساس . بعيد عن حرب اليمن ، روسيا تريد ان تحافظ على علاقاتها مع المملكة العربية السعودية و الإمارات بغية الحفاظ على مصالحها النفطية و الاقتصادية الاخرى . موقف روسيا معقد دبلوماسيا في اليمن . روسيا لن تحدد و تعلن انحيازها لأي طرف علنا الى الآن . موسكو تنحاز دائما وراء المال و النفط ( ليبيا مثال واضح على ذلك ) . الرجل القوي بالنسبة لموسكو ، هو الذي يسيطر على المناطق المنتجة للنفط ، هذا يعني انه من يملك المال ــ هو مهم لروسيا . لذا موسكو تنظر الى القتال على مناطق النفط و الثروة في مأرب ، شبوة ، حضرموت و المهرة بين الشرعية ( الإصلاح ) و المجلس الإنتقالي . المنتصر هو الذي يحدد موقف موسكو ، إما مع الإمارات ( المجلس الإنتقالي ) أو مع السعودية ( الشرعية و الإصلاح ) . أو مع طرف ثالث .. ؟ .
كاتب و محلل سياسي يمني