وجه مدني جامع
أثارت تصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بشأن إمكانية دعم وزير الدفاع الحالي عبدالكريم الزبيدي في حال ترشح للانتخابات الرئاسية، تساؤلات في الشارع التونسي بشأن جديتها والهدف منها في وقت تتوسع فيه دائرة المطالبات للزبيدي بالترشح كوجه مدني جامع لمواصلة خيارات الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
وحفّ الغموض تصريحات الغنوشي في وقت تسعى فيه حركة النهضة إلى الحفاظ على حالة التشتّت في المشهد الحزبي، وهو ما عكسته القوائم الانتخابية الخاصة بالتشريعية، وهو تشتت يضع الحركة في طريق مفتوح إلى البرلمان.
وقالت أوساط سياسية تونسية إن الغنوشي سعى من خلال تصريحاته المغازلة للزبيدي إلى الحدّ من الحماس الشعبي للرجل في ظل حاجة البلاد إلى شخصية وطنية جدية وذات خبرة بمؤسسات الدولة وخاصة قريبة من الرئيس الراحل وقادرة على الاستمرار في بناء الثقة داخليا وخارجيا.
وبات أي تقارب بين حركة النهضة وشخصية سياسية مثار تخوف لدى فئات شعبية واسعة من إعادة تجربة التوافق التي مكنت الحركة ذات الخلفية الإخوانية من السيطرة على المؤسسات، والتسلل إلى المواقع المتقدّمة في الدولة.
ويعتقد محللون سياسيون أن تصريحات الغنوشي كانت تحاول تبديد حالة الإجماع الوطني بعد رحيل السبسي حتى لا تتحول إلى موقف سياسي شعبي كالذي حدث في 2014 حين دعم الملايين من التونسيين الباجي قائد السبسي وحزبه نداء تونس للفوز بالانتخابات.
وقال الغنوشي في خطوة تظهر الخوف من الاصطدام مع مشاعر الشارع “نحن على طريق الباجي نسير”، معتبرا أن السبسي “عاش مناضلا وأن إرثه السياسي هو الديمقراطية ومنع الإقصاء والتمسك بالوحدة الوطنية والتنمية”.
وبشأن المرشحين للانتخابات الرئاسية وتداول اسم عبدالكريم الزبيدي كمرشّح محتمل للرئاسة اعتبر الغنوشي أنّ الزبيدي “رجل وطني خدم البلاد ونعتبره صديقا وهو مؤهل على غرار غيره لمنصب الرئاسة ويبقى الاختيار للشعب”.
ولم يخف الزبيدي، الثلاثاء، في حوار مع صحيفة الشارع المغاربي استعداده لدخول السباق الرئاسي “إذا كان عندي ما أضيف للبلاد”، وهو تصريح فيه موافقة مبدئية على دخول الانتخابات مع ضرورة توفر شروط قد يكون من بينها وجود تحالف سياسي وازن حوله، أو انسحاب من شخصيات تنوي الترشح لفائدته حتى يكون متأكدا من المرور إلى الدور الثاني إن لم يحسم الأمر من البداية.
واعتبر المحلل السياسي منذر ثابت تصريح الغنوشي بخصوص الزبيدي لا يعدو كونه مناورة سياسية ورئيس حركة النهضة يتقن هذا الفن ومتمكن منه، مشيرا إلى أن من مصلحة النهضة في هذه الانتخابات أن تعلن رسميا دعمها لشخصية من الشخصيات.
وأضاف ثابت في تصريح لـ”العرب” أنه في ظل التشتت وتعدد الترشحات تبقى النهضة احتياطيا انتخابيا وازنا وبالتالي يمكنها أن تدفع بمرشح من المرشحين إلى دخول الدور الثاني أو أن تمكنه من فرصة حسم المعركة منذ الدور الأول وهو ما يرتهن للتوافقات السياسية.
من جانبه، قال المحلل السياسي خالد عبيد إن تصريح الغنوشي بشأن الزبيدي فيه الكثير من الدبلوماسية والكياسة و”لا ندري إن كان يعبر صراحة وحقيقة عن الموقف داخل حركة النهضة بخصوص ترشيح الزبيدي للرئاسة”، مشيرا إلى أن “استهداف شخص الزبيدي في بعض الصفحات (على مواقع التواصل) التي نعرف من وراءها يجعلنا نشك في المواقف الحقيقية”.
وأكد عبيد في تصريح لـ”العرب” أن حركة النهضة تبحث دائما عن حليف أيا كان.. المهم أن يكون حليفا تتوارى خلفه ولا تحكم مباشرة فهي تريد أن تبقى دائما في الظل ووراء الستار.
وعملت النهضة ما في وسعها لتقديم الانتخابات التشريعية عن الرئاسية خوفا من أن يذهب الحماس الشعبي إلى جهة مناوئة لها في الرئاسة، وهو ما يؤثر على اتجاهات الناخبين في التشريعية. لكن مراقبين يعتقدون أن النهضة ستناور بإظهار دعمها لأي شخصية وازنة لمنع تكوّن تحالف شبيه بتحالف 2014 بين قوى ليبرالية ويسارية وجمعيات مدنية وحقوقية.
ويجعل الرقم الكبير من القوائم المرشحة للانتخابات البرلمانية من ذات الأرضية السياسية لنداء تونس وشقوقه ومقربين منه حركة النهضة أكبر مستفيد وإن كانت لا تضمن أن تكون جزءا من حكومة قادمة في ظل تخوف كل حزب بما في ذلك حزب “تحيا تونس” حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد من إعادة تجربة التوافق الفاشلة التي أدت إلى انقسامات في نداء تونس وتراجع شعبيته.
وأعلن نبيل بوفون رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تلقي 1592 طلب ترشح للانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر المقبل.
وأوضح بوفون أن “مطالب الترشح تضم 695 قائمة حزبية، و190 قائمة ائتلافية، و707 قائمة مستقلة”.
وحذر المراقبون من أن كثرة القوائم ستربك الناخبين كما أنها ستدفع الكثيرين إلى المقاطعة بسبب صعوبة التمييز بين العشرات من القوائم في الدائرة الواحدة، في ظل تشابه الوعود والشعارات وتسلل الرشاوى الانتخابية، وخاصة بسبب غياب شخصيات ذات وزن شعبي على المستوى المحلي يلتقي حولها الناس.
يشار إلى أن الأحزاب دأبت في الغالب على ترشيح قياديين منها على قوائم في المحافظات من أبنائها، لكنهم يقيمون في العاصمة تونس، ما يجعل التواصل معهم صعبا وهو أحد أسباب غياب الحماس في الشارع لانتخابات لم تحمل نتائج ذات قيمة في ما يتعلق بتحسين أحوالهم منذ احتجاجات 2011.