محطة الفضاء ورشة لإنتاج قطع الغيار
يعمل خبراء التكنولوجيا والفضاء على إدماج الطباعة ثلاثية الأبعاد في البحوث داخل محطة الفضاء الدولية لطباعة منتجات يحتاجها الرواد في محطتهم خارج كوكب الأرض، وستعمل هذه التقنية في بيئة ذات جاذبية شبه معدومة، ويتم التحكم فيها من مختبرات على سطح الأرض وهو أمر صار ممكنا بعد نجاح بعض التجارب السابقة.
واستنتجت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) بعد أعوام من البحث، أن تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد أصبحت جاهزة للاستخدام في الفضاء، وبالكفاءة ذاتها التي تقدمها على سطح الأرض، كما قرر مركز “غاغارين” الروسي لتدريب رواد الفضاء إرسال نسخة جديدة من الطابعة الإحيائية ثلاثية الأبعاد إلى المحطة الفضائية الدولية، يوم 3 ديسمبر القادم.
ولم تتخلف الصين على الخوض في هذه التجارب منذ سنة 2014، ونجح علماؤها في صناعة طابعة يمكن لرواد الفضاء استخدامها عند قيامهم بمهام فضائية، كما يختبر باحثون في وكالة الفضاء الأوروبية منذ سنة 2016 جيلا جديدا من الطابعات ثلاثية الأبعاد، لاستخدامها في بناء المساكن والبنية التحتية في القمر أو المريخ.
وأجرت وكالة ناسا تجارب استمرت لأربعة أعوام صنعت خلالها أدوات وأجسام بطابعات ثلاثية الأبعاد، ونشر بحث حول هذه التجربة في العدد الأخير لمجلة “ذي إنترناشونال جورنال أوف أدفانسد مانوفاكتشرنغ تكنولوجي”، وأجريت التجربة على كوكب الأرض ضمن ظروف الجاذبية الصغرى وعلى متن محطة الفضاء الدولية أيضا، وقدمت هذه التقنية أداء جيدا بصورة متكافئة في كلا الموقعين، وفقا لتحليلات ناسا.
وقد فتحت هذه التجارب الباب أمام تطوير تكنولوجيا إعادة التدوير في الفضاء، مما يسمح باستخدام الفاقد من المواد البلاستيكية كما أن ناسا في طريقها لتصنيع قمر صناعي صغير باستخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد وبحث تجربة إطلاقه.
الطابعة المغناطيسية ثلاثية الأبعاد تسمح بإنتاج أعضاء الجسم والأنسجة المتكيفة مع ظروف الإشعاع الفضائي
وتفتح هذه التكنولوجيا أيضا الباب نحو بحث تصنيع المنتجات الإلكترونية والآلات في الفضاء.
ونجحت الطابعة ثلاثية الأبعاد في محطة الفضاء الدولية في وقت سابق من إثبات تقنية “ناسا” عبر طباعة أدوات بتصميم تم إرساله بملف من الأرض إلى الطابعة. وعادة ما يتوجب على رواد الفضاء الانتظار لعام أو أكثر قبل وصول أداة جديدة إلى المحطة التي توجد في مدار على ارتفاع يتراوح بين 330 و435 كيلومترا عن سطح الأرض، لكن سيتمكن رواد الفضاء مستقبلا من صنع أجهزة وأغراض بلاستيكية بأشكال مختلفة داخل صندوق صغير بحجم فرن الميكروويف، لتحل محل أجزاء الآلات المكسورة، وربما أيضا في ابتكار أدوات جديدة مفيدة.
وتقول ناسا، إن هذا المشروع “يفسح المجال أمام رحلات استكشاف فضائية طويلة الأمد” وذلك لأنه سيكون بالإمكان إنتاج القطع البديلة في الفضاء، ولن يكون على الرواد الانتظار أن تصلهم المؤن من الأرض.
بداية ناجحة
وبعد أن نجحت الطابعة ثلاثية الأبعاد في إنتاج مفك براغي وأدوات صغيرة أخرى في محطة الفضاء الدولية، قال نيكي ويركهايزر، مدير برنامج الطابعة ثلاثية الأبعاد في محطة الفضاء الدولية من مركز مارشال- ناسا للطيران الفضائي في هانتسفيل- آلاباما، “أردنا عمل هذا بشكلٍ مشابه لما سيقوم به رواد الفضاء من أجل الطباعة ثلاثية الأبعاد المستخدمة في المحطة. لن يستخدم المفك في الفضاء، لكن ماذا لو كان عبارة عن أداة يحتاجها الطاقم؟ نقوم الآن بإنجاز رقم قياسي جديد ولا يحصل ذلك عبر التصنيع في الفضاء وإنما أيضا عبر الطريقة التي نستخدمها من أجل تشغيل المعدات الفضائية والتحقق من صحتها فيما لو تم بناؤها في الفضاء بدلاً من الإقلاع بها من الأرض”.
ويضيف ويركهايزر، “إذا كان بإمكانك إرسال ملف إلى المحطة بسرعة إرسال الإيميل، فإن هذا الأمر سيفتح عددا لانهائيا من الإمكانيات المحتملة من أجل القيام بصناعة الكثير من الأشياء، قد نكون قادرين أيضاً على صناعة أجسام لم نستطع في السابق الإقلاع بها إلى الفضاء”.
تريد الوكالات الفضائية الاستفادة من النفايات في الفضاء وإعادة تصنيعها وتحويل المواد البلاستيكية أيا كان شكلها إلى مواد خام تستخدم في ما بعد لإنتاج قطع الغيار أو أدوات أخرى لازمة.
يقول ويركهايزر، إن تكنولوجيا تدوير البلاستيكية تستخدم في الأرض على نطاق واسع، حيث يتم سحقها ثم وضعها في الطابعة ثلاثية الأبعاد التي تصنع منها قطع غيار جديدة، إلا أن المسحوق البلاستيكي قد يشكل خطرا على أفراد الطاقم في الرحلات الفضائية البعيدة، لذلك اخترعنا تكنولوجيا جديدة حيث يتم صهر المادة البلاستيكية التي تعالج في حالتها المنصهرة إلى منتجات جاهزة دون أن تضاف إلى الطابعة مواد خام جديدة.
تجارب إرسال الطابعات ثلاثية الأبعاد لم يقتصر على وكالة الفضاء الأميركية، فقد أدلت الدول الكبرى بدلوها في هذا المجال، وهي اليوم تواصل تجاربها، فقررت روسيا إرسال موديل جديد من الطابعة الإحيائية ثلاثية الأبعاد إلى المحطة الفضائية الدولية يوم 3 ديسمبر القادم.
وطور العلماء الروس هذه الطابعة للعمل في ظروف انعدام الجاذبية، وطبع المواد اللازمة لرواد الفضاء.
وقال مدير مختبر “ثري دي بيوبرينتينغ سولوشن” الروسي، إن الهدف الرئيس للتجربة هو اختبار طريقة جديدة لإنتاج أعضاء الإنسان الحية بواسطة الطباعة ثلاثية الأبعاد في ظروف انعدام الجاذبية. وبفضل مشاركة مؤسسة “روس كوسموس” وشركة “إينيرغيا” الروسية المصنعة للصواريخ الفضائية في التجربة، سيتم تقليص الفترة من 4 أعوام إلى عام واحد. وأضاف، أن الطابعة المغناطيسية ثلاثية الأبعاد، التي قام المختبر بتصميمها وتصنيعها، تسمح بإنتاج الأعضاء والأنسجة المتكيفة مع ظروف الإشعاع الفضائي.
وأضاف، إن نتائج التجربة ستستخدم لدراسة إمكانية إنتاج أعضاء الجسم الأكثر تعقيدا، ووضع أنظمة حماية لرواد الفضاء من الإشعاع الفضائي أثناء الرحلات الطويلة.
يذكر أن الموديل الأول من الطابعة الإحيائية ثلاثية الأبعاد تحطمت أثناء الهبوط الاضطراري لمركبة “سويوز أم أس-10” برائدي الفضاء الروسي والأميركي في أكتوبر الماضي.
ويبحث مهندسون في وكالة الفضاء الأوروبية عن طرق للاستعانة بتربة القمر كمادة لطباعة مستعمرة كاملة على سطح القمر. وصممت شركة “فوستر آند بارتنرز” المعمارية في لندن مستعمرة قمرية يمكن طباعة أجزائها.
ويتواكب ذلك مع إعداد منظمة “مارس وان” الهولندية لرحلة دون عودة إلى كوكب المريخ في عام 2027، وبالتالي قد تُساعد هذه التقنية في توفير المساكن، وربما أيضاً أطعمة مثل البيتزا المنتجة من خلال الطباعة ثلاثية الأبعاد.ويمكن تصور إسهامات مختلفة للطباعة ثلاثية الأبعاد في الفضاء، فيمكن أن تسبق الطابعات المتقدمة وصول المستوطنين من البشر إلى كوكب المريخ مثلا، لإعداد مسارات الهبوط والطرق والمساكن، وربما تنتج طابعات مماثلة أو أعداد كبيرة من الروبوتات يتم جمع أجزائها ذاتياً لتتولى عملية التشييد.
تقنية في تتطور
رغم أن تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لم تقدم أداء مثاليا في الفضاء، إذ اكتشف العلماء أخطاء في جميع المنتجات المطبوعة، لكن “ناسا” أشارت إلى أن بعض هذه الأخطاء يعزى إلى التغييرات الطفيفة في إعداد عملية التصنيع وليس إلى تأثير الجاذبية الصغرى.
وتحدث الحوادث والأخطاء في التجارب كثيرا، ولا يعني ذلك عدم كفاءة التقنية، إذ أصدرت ناسا تقييمًا كاملًا للبحث، وتوصلت إلى أن الجاذبية العادية والصغرى لا تؤثر على عملية الطباعة، ويثق العلماء القائمون على الدراسة بقدرات الطباعة ثلاثية الأبعاد، ويأملون أن يستخدمها رواد الفضاء لطباعة كافة احتياجاتهم.
وكانت الناسا قد وسعت استخداماتها للطابعات ثلاثية الأبعاد على الأرض كوسيلة رخيصة سريعة لتصنيع أجزاء من المركبات الفضائية، بما في ذلك مكونات محركات الصواريخ التي يجري اختبارها للجيل المقبل من مركبات الفضاء.