عصر جديد للتقارب والتنسيق
حملت الزيارات التي أدّاها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا زخما داعما لخيار الإصلاح الذي يقوده في المملكة، وساعدت على تبديد الشكوك بشأن صعوبة المهمة.
وأطلق مسؤولون بارزون في الدول الثلاث تصريحات داعمة لخيار ولي العهد السعودي في مقاومة التطرف عبر الانفتاح على الثقافة والترفيه وتحجيم نفوذ الإسلاميين المتشددين والتصدي للفساد.
وهاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منتقدي ولي العهد السعودي. وقال إنه من السهل توجيه الانتقادات لتعجّل الأمير الشاب في حركة الإصلاح، وحثّ من يذمّه على منحه فسحة من الوقت.
وكان الأمير محمد بن سلمان، الذي اختتم الثلاثاء زيارة استغرقت ثلاثة أيام لفرنسا، قد حاز على إشادات غربية بسعيه لتقليل اعتماد المملكة على النفط ومعالجة فساد مزمن وتنفيذ إصلاحات في المجتمع السعودي المحافظ.
وقال الرئيس الفرنسي متحدثا إلى ولي العهد السعودي “أسمع تساؤلات مشروعة من المجتمع المدني والصحافيين عن حقوق الإنسان وقضايا مختلفة حساسة في ما يتعلق ببلدكم (لكني) أنظر أيضا إلى ما يجري في المنطقة. نحن هنا أمام زعيم شاب سيؤدي أعلى المهام في بلد 70 في المئة من سكانه دون سن الثلاثين”.
وأضاف “بوسعنا أن يكون لنا الخيار في التمسك بمواقفنا التقليدية ويمكننا أن نقرر أن تكون أولى الأفعال لتحديث هذا المجتمع شكلية. وإذا فعلنا ذلك فإننا سنترك الأمير محمد (بن سلمان) يواجه من يرون العكس في منطقته ويقررون العودة إلى الوراء والحفاظ على الإسلام السياسي أو الإرهاب”.
وشدد ماكرون “إذا كانت هناك فرصة واحدة لنجاح مشروعه فمن مسؤولية فرنسا أن تقف إلى جواره”.
وفي إطار الإصلاحات التي ارتبطت بولي العهد السعودي تم تخفيف قيود اجتماعية، مثل رفع الحظر على دور السينما وقيادة النساء للسيارات. كما وعد بالعمل على نشر الاعتدال في الإسلام.
وخلال زيارته لباريس التقى ولي العهد السعودي بقيادات دينية ودعا إلى شراكة استراتيجية جديدة تتركز في جوهرها على القوة الثقافية الناعمة التي تتمتع بها فرنسا وخبراتها السياحية.
وقال الأمير محمد بن سلمان مازحا مع ماكرون خلال المؤتمر الصحافي بقصر الإليزيه “أنا وأنت من كبار السن في السعودية لأن 70 في المئة من السكان أصغر منا سنا”.
وأضاف “الشراكة بين السعودية وفرنسا مهمة للغاية وخاصة الآن لما تشهده أوروبا والشرق الأوسط من تغييرات في العالم”.
ويشير متابعون للشأن السعودي إلى أن السعودية الجديدة تعمل على تغيير الصورة القديمة عنها في الغرب ليس فقط عبر إصلاحات ولي العهد بل عبر الاستفادة من استثماراتها الكبرى في كسب الدعم الرسمي الغربي لخياراتها، لافتين إلى أن هذا يعدّ تحولا نوعيا في علاقات المملكة خارجيا، حيث صارت تربط بين الاستثمارات ومصالحها القومية.
ويرى المتابعون أن الرياض نجحت في ربط الاستثمارات الكبرى التي تقوم بها في دول كثيرة، بكسب دعم واضح في الموقف من إيران وتهديدها للأمن القومي للسعودية ولدول الخليج ككل، وأنها تستفيد الآن من تلك الاستثمارات في خلق مناخ دولي يدعم إصلاحاتها ويبدد صورة غربية قديمة تربط بينها وبين التشدد.
ولفت هؤلاء إلى أن المواقف التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته لأميركا، بصفة خاصة، قد أكسبت مشروعه تفهما كبيرا لدى أوساط أميركية ذات وزن، خاصة تأكيده على أن العملية الإصلاحية التي ينهض بها نابعة من رؤية معتدلة للإسلام تعارض استعمال العنف لإجبار الناس على اعتناقها، كما تعارض توظيف الدين لبناء إمبراطورية أو خلافة بالقوة.