معي وضدي في آن
لم تنتظر تركيا طويلا لإعلان موقف محترز من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون وتعيين مدير المخابرات المركزية مايك بومبيو مكانه، على نحو أوحى أن قرار ترامب يعدّ “خبرا سيّئا” بالنسبة إلى أنقرة.
والأمر نفسه ينطبق على إيران التي رأت في إقالة تيلرسون خطوة أميركية نحو وقف الاعتراف بالاتفاق النووي.
وركزت وسائل إعلام تركية على تغريدة قيل إن بومبيو كتبها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 2016، قبل أن يتولى منصب مدير المخابرات المركزية الأميركية، وأشار فيها إلى تركيا بأنها “دكتاتورية إسلامية مستبدة”، وحُذفت التغريدة لاحقا.
وقال متابعون للشأن التركي إن الانزعاج الذي أبدته أنقرة من الوزير الجديد يخفي أنها ستكون ضمن قائمة المتضررين من رحيل تيلرسون تماما مثل قطر وإيران، كونه كان “يتفهم” جنوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسيطرة على السلطة وتحييد مراكز النفوذ التقليدية في الدولة مثل القضاء والإعلام والجيش، وهو ما يفسر غياب أي موقف نقدي من واشنطن تجاه الخطوات التركية التي تلت المحاولة الفاشلة للإطاحة بأردوغان في 15 يوليو من العام 2016.
وأشار المتابعون إلى أن القلق التركي من تعيين بومبيو يعود بالأساس إلى كونه يعارض تحييد أردوغان للجيش التركي والسيطرة على قياداته، ما يضعف التزام أنقرة في الناتو، مشددين على أن هذا سيخلق أزمة كبيرة داخل مؤسسة الحكم في تركيا لأن الجيش أميركي الهوى وأردوغان متمايل يبحث عن حلفاء جدد يقبلون بسيطرته الداخلية، وبجنوحه للتدخل العسكري في سوريا والعراق، فضلا عن توتير العلاقة مع أوروبا.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الأربعاء، إن بلاده تريد مواصلة علاقة تقوم على التفاهم مع وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو، لكن على مدير المخابرات المركزية الأميركية أن يتعلم ضرورة احترام أنقرة.
واعتبر دبلوماسيون أوروبيون أن تصريح الوزير التركي يتماشى مع موقف نظيره الروسي سيرجي لافروف، الذي كال كثيرا من الانتقادات للسياسة الخارجية الأميركية مؤخرا، وأن جاويش ولافروف لم يضيّعا الوقت في عقد مؤتمر صحافي لتنسيق المواقف تجاه الدبلوماسية الأميركية الجديدة التي قد تلجأ إلى التشدد.
وأشار الدبلوماسيون إلى أن أنقرة تستشعر ما قد يحمله بومبيو من سياسة أميركية غير مرنة في التعامل مع المصالح التركية، لا سيما تلك المتعلقة بالتحرك العسكري الذي تقوم به أنقرة في شمال سوريا منذ إطلاقها حملة “غصن الزيتون” ضد وحدات حماية الشعب الكردية في منطقة عفرين.
وكانت أنقرة نجحت في التوصل إلى حل مع تيلرسون يعترف بالدور الذي تريد أن تلعبه في منبج، التي تتمركز بها قوات أميركية خاصة، لكن صعود “الصقر” بومبيو على رأس وزارة الخارجية قد يطيح بكل ذلك، وربما يدفع إلى تشدد أميركي أكبر ضد التدخل التركي خاصة في منبج.
وفي زيارته الأخيرة إلى أنقرة، أعلن تيلرسون أن “الولايات المتحدة ستلتزم بوعودها تجاه تركيا في ما يتعلق بمدينة منبج التي يسيطر عليها الآن أكراد سوريون”، وهذا الموقف الموارب دفع أنقرة إلى تصعيد خطابها والتلويح باستهداف الوجود الأميركي في المدينة إذا عطّلت القوات الخاصة الأميركية حربها على الأكراد.
\
واعتبر محللون عسكريون أن تركيا تسعى لحسم الأمور عسكريا في تلك المنطقة، وفرض أمر واقع على كافة فرقاء الصراع السوري، لافتين إلى أن تصريحات أردوغان حول “الانتهاء من تطويق عفرين”، تعكس توقا تركيا لتحقيق إنجاز عسكري يستبق أي تغييرات في السياسة الخارجية الأميركية قد يجسدها استلام بومبيو لمهامه رسميا بعد مصادقة مجلس الشيوخ على تعيينه.
وخلال مؤتمر صحافي في موسكو مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، قال جاويش أوغلو إن المحادثات، التي كانت مقررة بين الولايات المتحدة وتركيا في الـ19 من مارس الجاري، يمكن أن تتأجل بسبب إقالة تيلرسون.
وتستبعد أوساط دبلوماسية دولية حصول تبدل جذري في سياسة واشنطن حيال أنقرة بمجرد تغيير وزير الخارجية الأميركي.
وتقول هذه الأوساط إن مؤسسات متعددة أمنية وعسكرية لا سيما البنتاغون، وسياسية كالكونغرس، تشارك في صناعة القرار الخارجي، وبالتالي فإن بومبيو سيخضع للمعطيات الصادرة عن كافة هذه المؤسسات لتحديد خارطة الطريق المقبلة قي العلاقات التركية الأميركية.
وتلفت مصادر أميركية مطلعة إلى أن بومبيو هو الشخصية التي كلفها الرئيس ترامب بحلّ الإشكالات مع تركيا، وأن أول زيارة له إلى الخارج بعد تعيينه مديرا لوكالة المخابرات المركزية كانت إلى أنقرة.
وتضيف المصادر أن بومبيو الذي زار أنقرة في 9 فبراير الماضي قد قابل أردوغان، بما يعني أن مهمته كانت تتجاوز الملفات التقنية الأمنية، وبالتالي فإنه يعرف جيدا ملف تركيا وعلاقاتها ببلاده.
غير أن أوساطا قريبة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا تقول إن موقف جاويش أوغلو قد يكون مبنيا على الزيارة التي قام بها بومبيو لتركيا ولم يعرف ما المثير الذي جرى فيها.
وتعتبر مراجع تركية محايدة أن ردّ الفعل الحاد الذي صدر عن وزير الخارجية التركي المطالب باحترام بلاده متأثر لا شك بمواقف بومبيو السابقة، ويأتي من ضمن الضغوط التي تمارسها تركيا على واشنطن لإعادة توضيح موقفها وموقف وزيرها الجديد.
ولا يثير تشدد بومبيو مخاوف أنقرة لوحدها، فطهران لم تخف هواجسها تجاه هذا التعيين معتقدة أنه إشارة إلى تصميم الولايات المتحدة على الانسحاب من الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني.
وقال نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي، بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء “إيسنا”، “الولايات المتحدة مصممة على الانسحاب من الاتفاق النووي، والتغييرات داخل وزارة الخارجية أجريت لهذه الغاية، أو على الأقل هذا أحد أسبابها”.
وكان ترامب ذكر الملف النووي الإيراني من بين الأسباب التي دفعته إلى إقالة تيلرسون. وقال “بالنسبة إلى الاتفاق الإيراني، كنت أقول إنه رهيب، بينما كان هو يعتبره مقبولا”.
ويهدّد ترامب بالانسحاب من الاتفاق الدولي حول الملف النووي الذي تم التوصّل إليه في مايو 2015. وكان تيلرسون يدعو إلى البقاء ضمن الاتفاق.
وقال عرقجي “إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق، فسنتخلى عنه نحن أيضا، قلنا للأوروبيين إن إيران ستنسحب من الاتفاق النووي إذا لم ينجحوا في إبقاء الولايات المتحدة فيه”.
وتتناقض هذه التصريحات مع تصريحات مسؤولين إيرانيين آخرين، بينهم الرئيس حسن روحاني الذي يقول بانتظام إن إيران ستظل ملتزمة بالاتفاق حتى لو تخلّت عنه الولايات المتحدة، طالما يعود بالفائدة على بلده.
وعبرت الصين بدورها، الأربعاء، عن أملها في ألا تؤثر الإقالة المفاجئة لتيلرسون على العلاقات الثنائية أو على المحادثات المقررة بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
وصرح المتحدث باسم الخارجية الصينية لو تشانغ للصحافيين في مؤتمر صحافي منتظم، “نأمل في ألا يكون لهذا التغيير أي تأثير على تطوّر العلاقات الصينية الأميركية الثنائية أو على التعاون الصيني الأميركي في البعض من المجالات المهمة”.