السيسي يفضل الحوار الهادئ
عبر الرئيس عبدالفتاح السيسي عن حقيقة مأزق مصري في مواجهة التباس في نوايا السودان تجاه مصر، لكنه عكس أيضا واقعا منطقيا يستبعد استعداد مصر للمغامرة بالدخول في أي مواجهة عسكرية محتملة في منطقة القرن الأفريقي في وقت مازالت القاهرة تكافح فيه للخروج من أزمة اقتصادية طاحنة، بالتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس المقبل.
وتمسك السيسي بخطاب تهدئة كشف من خلاله مبالغات تصعيدية انتهجها في المقابل نظام الرئيس السوداني عمر البشير، كما حاول في خطاب ألقاه بمناسبة افتتاح مشروعات قومية في محافظة المنوفية بدلتا النيل، تحييد إثيوبيا وإبقاءها خارج إطار التقارب السوداني مع قطر وتركيا، تحصنا من أي عمل مصري تجاه سد النهضة.
ويستغل السودان حشودا عسكرية مصرية متمركزة في إريتريا ودول أخرى في المنطقة، لإثارة ضجيج من أجل التغطية على إجراءات اقتصادية قاسية اضطرت الخرطوم لتبنيها للخروج من أزمات لا تنتهي، وصفقة منحت بموجبها أنقرة موطئ قدم على جزيرة سواكن التي يقول مراقبون إنها تقع بشكل طبيعي ضمن النفوذ الاستراتيجي المصري.
وخص الرئيس المصري السودان وإثيوبيا بكلامه عن ضرورة تبني الطرق الدبلوماسية والابتعاد عن الحلول العسكرية، قبل زيارة يقوم بها رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين إلى القاهرة، تم تأجيلها من الأحد إلى الأربعاء.
وأكد “أقول هذا الكلام لأشقائنا في السودان وإثيوبيا: مصر لا تتآمر.. نحن لا نتآمر ولا نتدخل في شؤون أحد، ونحن حريصون جدا على أن تكون علاقتنا طيبة” مع الجميع.
وتعكس تصريحات السيسي جوهر شخصيته المائلة في صياغة العلاقات الخارجية المصرية إلى الحوار، رغم خلفيته العسكرية واعتماده المباشر على الجيش في الحكم.
وعلى عكس لهجة حاسمة تتسم بالتهديد تبناها رؤساء مصريون سابقون من خلفية عسكرية تجاه محاولات إثيوبيا لبناء السد، أو مطالبات السودان بمثلث حلايب الحدودي، يفضل السيسي حوارا هادئا وأسلوبا دبلوماسيا أكثر عقلانية، وهو ما يترك انطباعا أحيانا عند الكثير من المصريين بالضعف وقلة الحيلة، خصوصا حيال ملف سد النهضة.
لكن السيسي يدرك أيضا أن البشير يبحث عن مخرج مجاني لأزماته الداخلية عبر التصعيد تجاه القاهرة.
ويقول محمد مجاهد الزيات، الخبير في الشؤون الإقليمية، إن “السودان لديه أزمة داخلية يحاول أن يوجه الأنظار بعيدا عنها لخلق عدو خارجي وهمي، ولم يجد سوى مصر بابا قد يوحد به قوى الشعب ويبعد الملف الخاص بالتدهور الاقتصادي والسياسي ويوجهه إلى اتجاه آخر، والسيسي فهم المعنى وحاول أن يدحضه”.
وأكد الزيات أن ما يقلق هو “أن يتجاهل المسؤولون السودانيون رسالة السيسي الأخوية ويصرون على التصعيد، والآن عليهم أن يفهموا أن مصر ما زالت تتمسك بوجود علاقة قوية مع بلدهم لحل عادل للملفات العالقة”.
ولا تدفع إثيوبيا خلافها مع مصر إلى مرحلة المواجهة العسكرية، رغم نجاحها في توظيف التصعيد مع القاهرة في الملف المائي لكسب الوقت واستكمال بناء سد النهضة، والاستفادة من المناورات الاستراتيجية التي يقوم بها محور السودان- تركيا- قطر في المنطقة، دون أي تكلفة على إثيوبيا.
وبقدر ما حملت رسالة السيسي طمأنة للشعبين السوداني والإثيوبي، فإنها انطوت على تحذير غير مباشر لأطراف مثل تركيا وقطر من أن مصر تمتلك قوة عسكرية كبيرة يمكن اللجوء إليها في أي وقت، لكنها معنية بحماية أمنها القومي المباشر.
وكان الرئيس المصري ألمح إلى مضمون منهجه الدبلوماسي وليس العسكري خلال استقباله الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي في القاهرة الأسبوع الماضي، ولم تُفهم رسالته على الوجه الصحيح في الخرطوم التي جدد المسؤولون فيها التصعيد.
وأراد الرئيس المصري أن يكون أكثر وضوحا هذه المرة ليدعم تصريحات أفورقي التي نفت وجود نية لعمل عسكري تجاه السودان أو إثيوبيا عقب عودته إلى أسمرة، وهي التصريحات التي تجاهلتها الخرطوم عن عمد وكأنها مصممة على زيادة حدة التوترات في المنطقة.
وتعي مصر أن مهمتها لتجاوز التصعيد الذي تقوم به الخرطوم صعبة، لأنها تدرك أن أنقرة والدوحة تصران على أن تصل علاقاتها مع السودان إلى حد القطيعة، بما يجعل مصر تخسر عمقها الاستراتيجي في الجنوب.
وأوضح الزيات ، أن القاهرة “تدرك إمكانية تعرضها لخسائر نتيجة التمسك بسياسة التريث والصبر والنفس الطويل التي تتبعها مع النظام السوداني، لكنها تتمسك بها لتجنب تحقيق مراد أطراف إقليمية تشعر بنشوة الانتصار كلما وصلت علاقات القاهرة والخرطوم إلى درجة القطيعة”.