ودع العالم مع وداع 2017 الذكرى المئوية للثورة البلشفية، المعروفة رسمياً بثورة أكتوبر المجيدة. وعاشت 70 عاماً، وانتهت عام 1991 طاوية معها سلسلة من الانتصارات، وحول عنقها سلسال من العار. انتصرت على مجازر هتلر، ومنعته من إذلال روسيا ومن تغيير خريطة أوروبا. ووصلت إلى مدار الأرض قبل الأميركيين، لكنها أماتت ملايين الروس والسوفييات في السجون وفي سيبيريا وفي المجاعات، وقدست روح القسوة والفظاظة والفتك بالرفاق وتدمير المحبة والأواصر والعائلة.
بين الألوف، أو الملايين، الذين يمرون أمام جثمان لينين المسجى في الكرملين، كثيرون من أحفاد ضحاياه، يتوقفون أمام الجثمان ليسألوه: لماذا كان كل هذا الحقد والموت والعذاب والتنزه فوق صدور البشر؟
أحياناً كثيرة جداً خطر لي أن أترجم بعض أقوال لينين، وتراجعت، خوفاً من أن أُتهم بالتزوير والجنون. إلى الآن هناك من يرفض أن يصدق أن هذا الرجل كان يقول ذلك الكلام في الدعوة إلى القتل والموت والتنكيل. إلى الآن هناك من يبرر رحلة ستالين فوق بحر من جثث رفاقه ومواطنيه من أجل الشيوعية.
كان ألبير كامو، الفرنسي النبيل، مع جميع ثورات الأرض على الظلم، لكنه كان يتقزز من فظاظة البلاشفة. ويتساءل المرء هل يبرر ظلم القياصرة الرهيب تلك الثقافة المرعبة والمقززة التي نفذها البلاشفة؟ لكن المهم في الأمر أن الذين وضعوا حداً لتلك المدرسة المريعة، كانوا أيضاً من الروس ومن قلب الحزب الشيوعي نفسه، أولاً، نيكيتا خروشوف، الشجاع الذي بدأ بإخراج الجثث من بين رموش ستالين، ومن ثم ميخائيل غورباتشوف، الذي استعاد الحرية من بين أصابع لينين في صندوقه الزجاجي.
في روسيا وفي الصين وفي كمبوديا وفي مسارح موت كثيرة، نكّل الشيوعيون بشعوبهم وأهلهم. وحوّل بول بوت شوارع وجادات بنوم بنه إلى متحف للجماجم، من أجل إعادة خلق المجتمع الكمبودي المثالي: مليونان إلى ثلاثة ملايين قتيل من شعبه وأهله وفقرائه، والمجد للطبقة الكادحة. وإلى اليوم كمبوديا هي أكبر متحف حي لدولة الأطراف المقطعة في العالم.
البشرية معرض للظلم والشرور والحروب، من الاستعمار الإسباني إلى الفرنسي إلى النابالم الأميركي إلى هتلر إلى... هلم جراً. لكن موسكو خجلت هذا العام من الاحتفال بذكرى أكتوبر المجيدة. تركت السياح وحدهم يحتفلون بالمرور أمام الصندوق الزجاجي ليطرحوا سؤالين: كيف يمكن لرجل واحد أن يترك خلفه كل هذا الإرث من الجثث؟ وكيف للعلم أن يحنط جثته طوال هذه السنين؟