انتفاضة الفقراء
لم ينجح أسلوب التهوين والتحقير الذي اتبعته السلطات الإيرانية مع انطلاق الاحتجاجات في محاصرتها أو منعها من التمدد إلى مدن كثيرة. وعلى العكس تسارعت انتفاضة الفقراء بشكل دفع كبار مسؤولي الدولة إلى التدخل بغرض التهدئة وامتصاص الغضب الشعبي عبر اتهام جهات خارجية بتحريك المحتجين، لكن هذا الأسلوب لم ينجح.
يأتي هذا فيما تقول أوساط إيرانية معارضة إن انتفاضة الفقراء وجهت رسائل بالجملة إلى السلطات لوقف التدخل المباشر في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والتركيز على استثمار الأموال المرصودة لجماعات متشددة في تطوير الاقتصاد الإيراني وتوفير مواطن عمل للآلاف من الشباب العاطل عن العمل.
وحذر الرئيس الإيراني حسن روحاني الاثنين من أن الشعب “سيرد على مثيري الاضطرابات ومخالفي القانون” فيما قُتل اثنا عشر شخصا وأوقف المئات في إطار الاحتجاجات المتواصلة ضد الحكومة والظروف المعيشية الصعبة.
ولم تفلح الدعوة التي وجّهها روحاني السبت ليلا إلى الهدوء وإعلانه أنه يناصر توفير هامش أكبر من حرية الانتقاد، في تهدئة الأجواء.
وكان قد شدّد خطابه، صباح الأحد، تجاه من سماهم “أقلية صغيرة” قائلا إن الشعب “سيرد على مثيري الاضطرابات ومخالفي القانون”.
ولليلة الرابعة على التوالي، خرجت تظاهرات جديدة في مدن عدة من بينها طهران، احتجاجا على الضائقة الاقتصادية والبطالة والغلاء والفساد.
وأظهرت مقاطع مصوّرة بثّت على وسائل الإعلام ومواقع التواصل متظاهرين يهاجمون مباني عامة منها مراكز دينية ومصارف تابعة للباسيج (القوات شبه العسكرية المرتبطة بالحرس الثوري) أو يضرمون النار في سيارات للشرطة.
وتؤكد السلطات أنها لا تطلق النار على المتظاهرين وتتهم “مثيري الاضطرابات” و”أعداء الثورة” بالاندساس بين صفوف المتظاهرين.
وقال التلفزيون الحكومي إن “أشخاصا ملثمين (..) شاركوا في الاضطرابات وهاجموا مباني عامة وأضرموا فيها النار” في تويسركان.
وقتل متظاهران بالرصاص خلال احتجاجات في مدينة إيذج (جنوب غرب) بحسب ما نقلت وكالة “إيلنا” القريبة من الإصلاحيين عن النائب المحلي هداية الله خادمي الذي قال إنه لا يعرف ما إذا كان مصدر الرصاص قوات الأمن أو المتظاهرين.
وحذر الرئيس الإيراني في تصريح نشر على موقعه الإلكتروني الرسمي من أن “أمتنا ستتعامل مع هذه الأقلية التي تردد شعارات ضد القانون وإرادة الشعب، وتسيء إلى مقدسات الثورة وقيمها” مضيفا أن “الانتقادات والاحتجاجات فرصة وليست تهديدا، والشعب سيرد بنفسه على مثيري الاضطرابات ومخالفي القانون”.
ووصف محللون سياسيون ما يجري من احتجاجات في إيران بأنه تحدّ للسلطة السياسية في البلاد، خاصة أن الشعارات المرفوعة ركزت على نقد هرم السلطة، وخاصة سلطة المرشد علي خامنئي، وهي السلطة التي يهابها الإيرانيون ولا ينتقدونها في العادة.
وتم تمزيق صور لمرشد الثورة الأول آية الله الخميني، والمرشد الحالي علي خامنئي، فضلا عن حرق مراكز للحرس الثوري، ورفع شعارات مثل “الموت لخامنئي”، وأخرى معارضة لسياسة المرشد الخارجية مثل “اترك سوريا وفكر في حالنا”، و”لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران”.
وأشار المحللون إلى أن المسّ من “هيبة المرشد” خرج بالاحتجاجات من المطالب الجزئية، السياسية والاجتماعية، التي يمكن للسلطات أن تلتف عليها بإطلاق سلسلة من الوعود لتنكثها لاحقا، وارتقى بالاحتجاجات إلى كونها انتفاضة سياسية ضد نظام الحكم بكل مؤسساته ومراجعه الدينية والسياسية، وضد منظومة الثورة التي تنفق إيران العشرات من المليارات لتصديرها خارجيا.
والتقطت السلطات تصريحات أميركية داعمة لتحركات الشارع الإيراني لتسعى إلى اتهام الانتفاضة بأنها موجهة من الخارج، وأنها صناعة أميركية. لكن معارضين إيرانيين وصفوا هذا التبرير بأنه قديم ولم يعد يقنع الشارع الغاضب الذي اكتشف أن التساهل الأميركي مع طهران في قضية الاتفاق النووي وما تبعه من رفع للعقوبات والسماح بتصدير النفط وعقد صفقات كبرى لم يغير واقع الإيرانيين.
وأشار المعارضون إلى أنه، وعلى العكس من ذلك تماما، فقد تم إنفاق الأموال التي تم فك تجميدها وعائدات النفط على الحروب وتسليح مجموعات متشددة لإثارة الفوضى في المنطقة.
وأعربت الولايات المتحدة عن دعمها للمتظاهرين وتأييدها لـ”حق الشعب الإيراني في التعبير السلمي”، واعتبر الرئيس دونالد ترامب الاثنين أن ما جرى يؤكد أن “زمن التغيير” حان في إيران ما اعتبرته طهران تدخلا أميركيا في شؤونها.
وقال مساعد وزير الداخلية الإيراني للشؤون السياسية، إسماعيل جبارزادة، إن السلطات تحقق حاليا في ما وصفه بـ”الصندوق الأسود للاضطرابات الأخيرة”. واتهم رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاءالدين بروجردي من وصفهم بـ”أعداء الثورة” بمحاولة “استغلال هذه الحوادث أقصى ما يمكن والعمل على إثارة الشعب وتوجيه أعمال الشغب”.
أما المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى، حسين نقوي حسيني، فقد كرر الهجوم الإيراني على الرياض وواشنطن، قائلا إنه “لا يحق لهما التدخل في شؤون إيران الداخلية”.
ويرى مراقبون سياسيون أن الالتجاء إلى اتهام الخارج بركوب الاحتجاجات التي اعترف روحاني بأنها مشروعة، لن يوقفها خاصة أن الحصار الإعلامي لم يعد ممكنا، وأن المحتجين أصبح بإمكانهم التواصل مع الملايين من الإيرانيين ما يضعف الخطاب الرسمي المتكئ على نظرية المؤامرة، لافتين إلى أن مطالب المحتجين ستضغط على طهران لمراجعة تدخلاتها الخارجية.