هل يمكن العودة لمفاوضات الدولتين؟

الأحد 30 مايو 2021 11:23 ص

الموضوعان الرئيسيان في حديث «منطقة الشرق الأوسط»: المفاوضات على العودة للنووي بين الولايات المتحدة وإيران، وإعادة إعمار غزة وإمكان العودة لمفاوضات حلّ الدولتين. في الحروب السابقة بين غزة - «حماس» وإسرائيل، حتى العام 2014 كانت تستدعي حديثاً وجهوداً في مجالي معالجة الأوضاع الإنسانية، وإعادة الإعمار. أما هذه الحرب الضروس فإنها استدعت الموضوعين معاً: الأوضاع الإنسانية وإعادة الإعمار من جهة، والحلّ السياسي المتمثل في إحقاق الدولة الفلسطينية المستقلة. والأسباب التي تُذكر لهذا الاقتران هذه المرة بالذات: أن الحروب ستتكرر ما دامت الأراضي الفلسطينية محتلة كما تُثبت ذلك الحروب منذ العام 2007 عندما استولت «حماس» على غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية منها عام 2005 - والسبب الثاني أنّ الأوضاع بالقدس والضفة الغربية ما عادت تقلُّ سوءاً عن قطاع غزة، فالمسجد الأقصى ما عاد آمناً بالفعل، والإزعاجات حتى في الصلوات من جانب الشرطة والمستوطنين، والتهجير من حي الشيخ جراح أكبر الأحياء العربية بشرق القدس أدخل الفلسطينيين في حالة من اليأس والهياج. وبعد إجراءات ترمب صار اليمين الإسرائيلي الديني والقومي والاستيطاني شبه متأكد أنه لا يحتاج أن يحسب أي حسابٍ لوجود الفلسطينيين ولا لحقوقهم. ولذلك جاءت ردة الفعل الشعبية في القدس بل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة قديماً زاخرة ومهدِّدة، للاحتلال وللاستقرار - والسبب الثالث الضعف الشديد الذي أصاب السلطة الفلسطينية وبالذات بعد تأجيل الانتخابات بحجة غياب القدس عنها. والواقع أنه منذ أيام أوباما يقول نتنياهو إنه لا يجد شريكاً لمفاوضات السلام لأنّ عباس لا يستطيع الخضوع الكامل إذ يفقد شرعيته كلها، وما عاد هناك طرف دولي أو عربي يأبه له.
وفي الواقع أيضاً قامت علاقات غير مباشرة وأحياناً مباشرة بين إسرائيل و«حماس» للتهدئة والهُدن بل وتلقّي الدعم المالي من خلال قطر، أو باتصالات الأجهزة. وذلك كلُّه فرض واقعاً ووقائع ونوعاً من الوعي أنه لا بديل عن التفكير بالفعل والمحاولة الأخيرة من أجل حلٍ سياسي تلعب فيه السلطة الفلسطينية دوراً تُقوَّى من أجله، وإلاّ فالانفجار الكبير آتٍ مع المذابح بالسلاح وهي أمورٌ قد لا يتحملها العالم المعاصر ولا يتحملها الجمهور العربي، ولا الاستقرار بداخل إسرائيل - والسبب الرابع القوة المتنامية للمسلحين الفلسطينيين أو المائلين للعنف ليس في غزة فقط بل وفي أنحاء من الضفة وبداخل الخط الأخضر. والقوة هذه المرة تكتسب شرعية ولو كانت انتحاراً أو بمثابة الانتحار لأنه لا مخرج آخر.
والدليل على هذه الأجواء المقلقة للسلطة الفلسطينية وللعرب وللعالم وربما للعقلاء القلّة الباقين في الكيان الصهيوني ما تعرض له المفتي الشيخ محمد حسين أثناء خطابه بالمسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي، عندما تعرض له أنصار «حماس» بين المصلين وأهانوه لأنه أدان الاعتداءات، لكنه ما امتدح الحماسيين المقاومين! - والسبب الخامس قلق الأردنيين والمصريين من تأثير التسلط الإسرائيلي واستخدام نتنياهو ذلك التسلط والطغيان للبقاء في رئاسة الوزراء، باعتبار أنّ ذلك كله يخدمه لدى اليمين. وهذه المرة شاركت إدارة بايدن الجديدة الدولتين العربيتين في هذا القلق من تفجير لا سابق له - والسبب السادس وربما ليس الأخير التقديرات الاستراتيجية للجيش والقوى الأمنية بإسرائيل بأن الوضع حتى داخل الأراضي المحتلة قديماً يمكن أن يخرج عن السيطرة، لأنّ الحلّ العسكري ما عاد مضمون الفاعلية ولا العواقب. وصحيح أن نتنياهو ظلَّ يزعم أنه قادرٌ على ضبط عرب الداخل بالقتل والسجن، لكنّ الجيش أحصى أكثر من أربعة آلاف صاروخ سقطت بالدواخل، فأبقت الإسرائيليين في الملاجئ لعشرة أيام مع حالة الطوارئ. وقد تجادل نتنياهو مع الجنرالات لسوء تقديرهم، فهم كانوا يُجرون مناورات ضخمة في الشمال على حدود لبنان ولا يحسبون حساباً لغزة. وما سكتوا هم أيضاً وقالوا له: لكنك أسأْتَ التقدير بشأْن حصارات المسجد الأقصى وتهجيرات الشيخ جراح وتأثيراتها!

وعلى أي حال يتحدث الرسميون العرب والعالميون الآن عن الحلّ السياسي والقرارات الدولية، ويذكرون كثيراً حلّ الدولتين أو العودة إليه، أما الرسميون الإسرائيليون فلا يتحدثون إلاّ عن شروط الهدنة، ويريدونها أن تكون طويلة أو دائمة. ويقترح الروس للبداية في هذا الجانب عودة اللجنة الرباعية الدولية للاجتماع. ولا أحسب أن الأميركيين سيوافقون على ذلك لعدم إزعاج الإسرائيليين، وسيفضّلون التوسط للعودة المباشرة للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين فإذا لم ينجحوا فقد يوافقون على اجتماع الرباعية إذا اتفق بايدن مع بوتين في قمتهما في أواسط يونيو (حزيران) المقبل. ويطوف وزير الخارجية الأميركي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والأردن، والحديث عن إعادة إعمار غزة، وعن العودة للمفاوضات السياسية. وهناك تشاور كثيف بين الأردن والسلطة الفلسطينية ومصر لانتهاج مقاربة موحدة في الحديث مع بلينكن.
هل لا يزال ممكناً تجنب «حماس» في مفاوضات السلام، بل وقبل ذلك في ترتيبات إعادة الإعمار وحتى ترتيبات الهدنة؟ ثم ألا يكون مناسباً ومقوياً للأردنيين والمصريين أن يكون معهم ومن ورائهم أطراف عربية تُسهم في الإعمار، وتذكّر بالمبادرة العربية للسلام من العام 2002؟!
لقد عادت قضية الشعب الفلسطيني إلى التوهج في الوعي الفلسطيني العام والذي ما غاب لكنه يصبح في الشهور الأخيرة فاعلاً. أما الأبرز فهو أنّ هذا التوهج تجلى في الوعي العربي العام أيضاً، وهو الأمر الذي حرّك السلطات في مصر وفي الأردن، كما في المجالين الأوروبي والأميركي.
ويبدو الجانب الإسرائيلي الرسمي والشعبي الأكثر حيرة وقلقاً. فالأمن الكامل بدا أنه عصي على التحقق. إنما هذا شيء، والتسليم بالعودة عن «القدس الموحدة» وعن قسم الكبير من المستوطنات، شيء آخر. وهكذا فالأرجح أن يضطر الرسميون الإسرائيليون تحت ضغط الأميركيين أن يقبلوا بالعودة للمفاوضات. لكنهم سيعتمدون كالسابق على المطاولة والتركيز على النقاط الخلافية. وقد يتفق المصريون والأردنيون والأميركيون على العودة إلى مراحل خطة أوسلو: المناطق (أ) و(ب) و(جـ) وهي التي اخترقتها المستوطنات بكثافة. وسيركزون أيضاً على الإفراج عن المسجد الأقصى ووقف التهجير من حي الشيخ جراح. فأولُ ما سيسقط حلّ جاريد كوشنر صهر ترمب بشأن «النزاع العقاري» الغريب والعجيب!
ويبقى أنّ هناك تحديين كبيرين أمام الفلسطينيين والإسرائيليين. التحدي الكبير أمام الفلسطينيين القدرة على التوحد وهو أمرٌ تعذر من قبل رغم أنّ الظروف كانت أفضل - والتحدي الأكبر أمام الإسرائيليين: الخروج من فكرة إمكان استمرار الاحتلال. ومن فكرة أن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر هم مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة في الدولة (اليهودية)!

التعليقات