السلطان الأشرف طومان باى آخر سلاطين دولة المماليك في مصر والشام

الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 3:57 م
السلطان الأشرف طومان باى آخر سلاطين دولة المماليك في مصر والشام

السلطان الأشرف طومان

جنوب العرب - لندن

الأشرف أبو النصر طومان باي آخر سلاطين المماليك الشراكسة في مصر، فهو السلطان الوحيد الذي شُنق على باب زويلة. استلم الحكم بعد مقتل عمه السلطان الغوري بموقعة مرج دابق عام 1516م بعد أن عينه نائباً له قبل خروجه لقتال العثمانيين، وبعد مقتل الغوري أجمع الأمراء على اختياره سلطاناً لمصر، وقد امتنع طومان باي عن قبوله منصب السلطنة في بداية الأمر بحجة ضعف الموقف العام وتشتت قلوب الأمراء وحصول فتنة من قبل بعض المماليك حيث كان خان الخليلي قد نُهِب وقُتِل جميع التجار بحجة أصولهم العثمانية، لكنه عاد بعد إلحاح وبعد أن أقسم له الأمراء على المصحف بالسمع والطاعة وعدم الخيانة وقد حضر البيعة يعقوب المستمسك بالله الخليفة المعزول وذلك لوجود ابنه الخليفة العباسي المتوكل على الله الثالث أسيراً بأيدي العثمانيين بحلب، ثم انهزم طومان باي بمعركة الريدانية 1517م، وانضوت مصر تحت الخلافة العثمانية الفتية.



معركة الريدانية

جمع طومان باي من الجند المماليك والأهالي وأراد الخروج لقتال العثمانيين ولكنه واجه تخاذل المماليك واستهانتهم بخطورة الموقف، وخلال تلك الفترة أرسل السلطان سليم رسالة إليه يعرض عليه تبعيته للسلطنة مقابل ابقائه حاكماً لمصر، غير أنه رفض العرض. وخرج طومان باي إلى الريدانية وتحصن بها وحفر خندقاً على طول الخطوط الأمامية. لكن عندما علم العثمانيين بخطة المماليك تحاشوا عنهم واتجهوا صوب القاهرة فتبعهم طومان باي والتحموا بمعركة هائلة قتل فيها سنان باشا الصدر الأعظم بيده ظناً منه بأنه السلطان لكن بسبب كثرة العثمانيين وقوتهم لم يتمكن المماليك من وقف زحفهم، وهرب العسكر الذين كانوا حول طومان باي فخاف أن يقبض عليه العثمانيين فهرب واختفى.


حرب الشوارع


تحاشى السلطان سليم دخول القاهرة بعد المعركة بسبب وجود طومان باي طليقاً وأيضاً وجود جيوب للمماليك فيها، ودخلها بعد ثلاث أيام يوم الإثنين الموافق 3 محرم 923 هـ الموافق 26 يناير 1517م في موكب حافل يتقدمه الخليفة العباسي والقضاة واحاط به جنده يحملون الرايات العثمانية الحمراء. ثم حدث ما كان يتخوف منه فقد باغتهم طومان باي في ليلة 5 محرم الموافق 28 يناير في بولاق، وجرت معركة طاحنة في أزقة المدينة بين الجنود العثمانيون والمماليك واشترك معهم الأهالي المصريون في تلك الحملة المفاجئة بمن فيهم النساء فقد كانوا يقدمون المساعدة لطومان باي، حتى ظن الناس أن النصر آت لامحالة واستمرت المعركة من ثلاث إلى 4 أيام وليال وظهروا فيها على العثمانيين، حتى أنه خطب لطومان باي في خطبة الجمعة وقد كان خطب للسلطان سليم بالجمعة التي سبقتها، وكلفت الفريقين الكثير من القتلى إلى أن تمكن العثمانيون من إنهائها لصالحهم وذلك عندما لجأوا إلى سلاح البنادق وامطروا به من فوق المآذن الأهالي والمماليك فأجبروهم على الفرار وهرب طومان باي إلى بنها شمال القاهرة بعدما رأى عدم تمكنه من الاستمرار بالمقاومة. أما الأمراء بمن فيهم جان بردي الغزالي فقد استسلموا للقوات العثمانية. وبتاريخ 7 محرم استسلمت المدينة مرة أخرى للعثمانيين بعد أن طلب الأهالي الأمان فأعلن عفواً عاماً عن جميع الذين استسلموا من جراء انفسهم وكما أمر بمعاقبة كل من رفض الاستسلام.

محاولات طومان باي


رغم ذلك إلا أن طومان باي لم يستسلم وراح ينظم الصفوف وصار هناك الكر والفر لكلا الطرفين حتى كاد أن يقتل السلطان نفسه بإحدى الغارات في بولاق، مع ذلك فالمعركة من حي إلى آخر حتى المعركة الأخيرة بمنطقة وردان (امبابة حالياً) حيث انكسرت شجاعة المقاومة أمام القوة الهائلة والعتاد الضخم، فهرب طومان باي ولجأ إلى الشيخ حسن بن مرعي الذي أخرجه من السجن الذي كان قد دخله أيام عمه السلطان الغوري ولكن الشيخ وشي به وأبلغ عنه السلطان السلطان سليم الأول فقبض عليه، وقد أعجب السلطان بشجاعته وبحواره الصلب أمامه ومع ذلك فقد أمر بشنقه بعد فترة بإيعاز من الشراكسة الذين كانوا يخشون نقمة طومان عليهم.

قتل في تلك المعارك التي دارت ما بين الطرفين في أحياء القاهرة وشوارعها أكثر من خمسين ألفا نسمة في معارك طويلة وهمجية .

أسره وحواره مع السلطان سليم الأول
أزعج طومان باى العثمانيين كثيرا بحرب العصابات والضربات المباغتة عندما كان السلطان سليم في القاهرة. ولكن العرب الذين كانوا يكرهون الشراكسة (المماليك) دلوا على مكانه، فأُسر .

وضع السلطان سليم الأول عرشا بجانبه وأجلس عليه الحاكم المملوكي الجديد. تكلم طومان وخاطب السلطان سليم بكلام خال من اللياقة، قائلا له أنه لم ينتصر على المماليك بشجاعته ، وإنما انتصر بمدافعه وبنادقه، فأجابه السلطان سليم الأول متسائلا، لماذا لم يتزود وهو على رأس دولة كبيرة بهذه الأسلحة؟ وتلا عليه الآية الكريمة التى تأمر بمقابلة العدو بمثل أسلحته، وأفحمه :(( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (سورة الأنفال، الآية 60) .

إهمال المماليك تحديث جيشهم آخر نصف قرن


كان الفرق بين المدفعية العثمانية والمملوكية في معركة الريدانية فرقا يزيد على نصف قرن. فمنذ 1410م ، كان السلطان المملوكى قد طلب من سليمان الأول مدفعيين وبحريين أتراكاً، وأُجيب إلى طلبه ، إذ كانت تركية تفوق مصر حتى في ذلك التاريخ .

وقد كانت عملية إرسال المهمات الاستراتيجية، والمدفعيين، والبحارة، والفنيين إلى مصر في عهد بايزيد الثاني قد اكتسبت أهمية كبيرة فعلى سبيل المثال أرسل إلى مصر في عام 1511م عدد 400 مدفع وكميات هائلة من البارود والنحاس .

أما القادة الأتراك الدهاة المقتدرين مثل عروج بربروس ، وسليمان ريس ، وكمال ريس، فإنهم إما التحقوا بالبحرية العثمانية في مصر، أو قاموا بنقل المهمات الاستراتيجية والموظفين الفنيين إلى مصر .

الإيعاز بقتله


كان الشراكسة الذين كانوا مع المماليك ثم التحقوا بخدمة العثمانيين يخشون نقمة طومان باي عليهم فأخبروا السلطان سليم الأول بأن طومان باي لايزال يسعى وراء سلطة مصر، وشرحوا له ذلك بإسهاب وأقنعوه بوجوب إعدام طومان باى. فسُلِّم طومان باى إلى على باشا دلقدار أوغلو ليعدمه على باب زويلة، وكان المماليك قد أعدموا شهسوار بك والد على باشا دلقدار أوغلو قبل 40 سنة (في أغسطس 1472م) على نفس هذا الباب لصداقته مع العثمانيين .

تقدير السلطان سليم الأول له


وفى 26 أبريل، أُقيم لطومان باى احتفال تشييع جثمان لامثيل له، بحيث لو مات وهو على العرش لما أُقيم له مثل هذا الاحتفال ورغم أن السلاطين العثمانيين يحملون في بعض الأحيان توابيت آبائهم ولايدخلون تحت أى تابوت آخر يحملونه، إلا أن السلطان سليم الأول اكتنف تابوت طومان باى الثاني .

حضر مراسم تشييع الجثمان الرسمي كافة الرجال العثمانيون والمماليك معا، ووزع السلطان سليم الأول النقود الذهبية على الفقراء تطييبا لروح السلطان طومان باي رحمه الله لمدة 3 أيام .

نهايته


يقول المؤرخ ابن إياس وهو شاهد عيان على ماحدث:

«عند باب زويلة توقف ركب السلطان الأسير طومان باي.. كان في حراسة 400 جندي من الانكشارية.. وكان مكبلاً فوق فرسه.. وكان الناس في القاهرة قد خرجوا ليلقوا نظرة الوداع على سلطان مصر..وتطلع طومان باي إلى (قبو البوابة) فرأى حبلاً يتدلى، فأدرك أن نهايته قد حانت.. فترجل.. وتقدم نحو الباب بخطى ثابتة.. ثم توقف وتلفت إلى الناس الذين احتشدوا من حول باب زويلة.. وتطلع إليهم طويلاً.. وطلب من الجميع أن يقرؤوا له الفاتحة ثلاث مرات.. ثم التفت إلى الجلاد، وطلب منه أن يقوم بمهمته.»
وقد ظلت جثته معلقة ثلاثة أيام كي يراها الجميع ويعلم بانتهاء دولة المماليك، ثم دفُنت في قبة السلطان الغوري، وبموته انتهت دولة المماليك وسقطت الخلافة العباسية، واستتب الأمر للسلطان سليم والخلافة العثمانية القوية بمصر وبلاد الشام، وأصبحت مصر ولاية عثمانية.

التعليقات

صفحات من التاريخ

الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 3:57 م

في الحديث عن تاريخ ليبيا المعاصر، وفي حقبة محمد إدريس السنوسي تحديداً، ليس اسم كرميني باشا شائعاً؛ وهذا طبيعي، في ظلّ غياب أي تأريخ فعلي للسنوسية وحرك...

الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 3:57 م

في عام 1830، بدأ الاحتلال الفرنسي للجزائر عبر شنّ باريس هجماتها على ميناء طولون، بمشاركة 37 ألف جندي. ومع حلول 14 يونيو/حزيران 1830، تمكنت الحملة الفر...

الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 3:57 م

في العام 1170 قبل الميلاد، انتفض العمال المنكبون على بناء مقبرة مخصصة للفرعون رمسيس الثالث. كان التأخير في تسلم مخصصاتهم من الحصص الغذائية أقسى من أن...

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر