صراع نفوذ بين إيران وتركيا والجهاديين يعطل التسوية السورية

السبت 28 سبتمبر 2019 4:31 م
صراع نفوذ بين إيران وتركيا والجهاديين يعطل التسوية السورية

مستقبل سوريا تحدده القوى المتدخلة

جنوب العرب - لندن

لعبت أزمة الجماعات المتطرفة وتباين الاستراتيجيات بين كل من إيران وتركيا دورا أساسيا في تعطيل التسوية السياسية في سوريا، حيث عملت هذه القوى على زيادة تناحر مكونات المجتمع السوري على أسس طائفية ومذهبية بحيث يستنزف بعضها بعضا، لتترك الجميع في حالة من الضعف المتوازي وكل طرف رهينة للآخر، وتستمر بالتالي حالة الانقسام فتكون هي الناظمة للتوازنات بشكل يجعل مستقبل الحل السياسي رهين رؤيتها ونفوذها.

أوشكت الأزمة السورية على الدخول في عامها التاسع، ومع ذلك لم تحمل أي بديل جديد في أدوار اللاعبين الإقليميين والدوليين، إلا ما خلا من مراوغة ومناورة بين الأطراف المنخرطة بالداخل السوري، تعمل بالأساس على تأسيس نمط من توازنات الضعف والمزيد من الشرخ في البيت السوري.

وضاعف الصراع الإقليمي اقتصاديات الحرب وازداد تناحر مكونات المجتمع السوري على أسس طائفية ومذهبية، بحيث يستنزف بعضها بعضا، مما جعل الجميع في حالة من الضعف المتوازي وكل طرف رهينة للآخر، وعلى نحو تلعب فيه القوى الإقليمية والدولية دور تأمين حالة الانقسام وضبط التوازنات دون البحث عن أي تسوية سياسية حقيقية.

ومن المتوقع أن تمر ديناميكية تناقضات المشهد السوري الداخلي والخارجي بتحولات رئيسية في عام 2020، من خلال تشابك التفاعلات الأمنية والسياسية الحالية وما تقوم به روسيا وإيران وتركيا منذ مدة بترسيم مناطق خفض الصراع في أربع مناطق أملا في تحديد سيناريوهات جديدة للخارطة السورية وفرضها في علاقة النظام بقوى المعارضة للتأثير في مسار أي تسوية قادمة؛ تقع المنطقة الأولى في شمال سوريا، وتشمل ريف إدلب، والمناطق المتاخمة، وشمال شرقي ريف اللاذقية، وغربي ريف حلب، وشمال ريف حماة.

أما المنطقة الثانية فتمتد من شمالي ريف حمص، وتشمل مدينتي الرستن، وتلبيسة، والمناطق المحاذية. فيما تشمل المنطقة الثالثة الغوطة الشرقية وريف دمشق، بينما المنطقة الرابعة تشمل جنوب سوريا والحدود الأردنية في ريف درعا والقنيطرة.

ميدانيا، استطاع النظام السوري تقليم أظافر المعارضة في الكثير من هذه المناطق وتعزيز استعادته لأراض فقدها في السابق، إلا أن منطقة إدلب التي تضم أكثر من 3.5 مليون مدني تعدّ إحدى أكبر الحلقات التي ستكتب مستقبل المواجهة المباشرة وغير المباشرة في سوريا، وذلك إما عبر الاتجاه نحو الدخول في تسويات سياسية عبر دينامية واتفاقيات مصالحة بعد أن ثبت للجميع أنه ليس بإمكان أي قطب إقليمي أو دولي أن يلعب بمفرده دورا قطبيا مركزيا لوحده في سوريا، أو الاتجاه نحو نقل الاتجاهات المتصارعة الحالية إلى كيانات وفضاءات أخرى في الشرق الأوسط.

وهذا يعني أن استمرار الأزمة مرتبط بأزمة التنظيمات المسلحة في سوريا، وتحديات التمدد التركي والإيراني وتهديدات روسيا للسيادة السورية.

وباتت الميليشيات الموالية لإيران تلعب دورا مهما في الصراع، كما أن التنظيمات الجهادية العابرة للحدود استفادت من تناقض استراتيجيات القوى الكبرى والإقليمية.

نفوذ الحركات الجهادية
واقع حال تنظيم الدولة الإسلامية بالرغم من الضربات الموجعة التي تلقاها، لا يعني التسليم بنهاية التنظيم ولا الاختفاء بين عشية وضحاها، بل تحوّل تنظيميّا إلى تبني هيكل الخلايا العنقودية في جماعات محدودة العدد، وتتواجد سريا في جيوب صحراوية في شمال نهر الفرات على الحدود العراقية وفي جنوبه وفي محافظة دير الزور وريف الحسكة وأجزاء من ريف حلب والباغوز آخر معاقل داعش قبل سقوطها في مارس 2019.

ومن الممكن أن تؤهل هذه الهيكلة الجديدة الآلاف من مقاتليه لاستعادة قواهم في الأمد القريب، وربما التفكير في صدام واسع مستقبلا. ويحاول اليوم الاستفادة من محاولة إضعاف تركيا للأكراد كقوة مركزية تتصدى لهم، حتى يتمكن من أخذ مبادرات ميدانية.

ويأتي تنظيم القاعدة كمكون ثان عابر للحدود ومنافس لتنظيم داعش من حيث القوة والعدد بعد أن عقدت “جبهة فتح الشام” تحالفا مع كل من “حركة نورالدين زنكي” و”لواء الحق” و”جبهة أنصارالدين” و”جيش السنة”، أطلق عليه “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) وظلت تتحكم في إدارة محافظة إدلب شمال غرب سوريا عبر “حكومة إنقاذ” في عام 2019.

وباتت لهذه الحكومة علاقات اقتصادية واسعة مع شبكة واسعة من التجار. وتضع يدها بشكل أساسي على تجارة الوقود عبر “شركة وتد للبترول” التي تحتكر استيراد المشتقات النفطية عبر تركيا، كما أن سيطرتها على المعابر الحدودية مع مناطق سيطرة قوات النظام عبر معبر العيس الوحيد المفتوح في ريف حلب الغربي أو عبر معبر باب الهوى مع تركيا الذي تدخل منه كافة البضائع التركية يدر عليها أموالا طائلة.

استمرار الأزمة مرتبط بأزمة التنظيمات المسلحة في سوريا، وتحديات التمدد التركي والإيراني وتهديدات روسيا للسيادة السورية

وتتسم المجموعات المسلحة في سوريا بالتنوع الشديد، ويعد “تنظيم أحرار الشام الإسلامي” تحت قيادة أبومحمد الجولاني منافسا قويا للقاعدة في الشمال السوري، وتفوق مجموعاته 80 مجموعة، أما من حيث مرجعيته فهي تجمع بين تيارين رئيسيين، الأول سلفي جهادي، والثاني قريب من الإخوان المسلمين.

ويضم تنظيم أحرار الشام عددا من الفصائل أبرزها “كتائب ثوار الشام”، و”الجبهة الشامية”، و”جماعة فاستقم كما أمرت”، و”جيش الإسلام” في الشمال، و”صقور الشام”، وعدة كتائب في بلدة كللي والدانا، وسط أنباء عن محاولة التحالف مع عدة فصائل في الشمال السوري من بينها “فيلق الشام” و”جيش العزة” وفصائل أخرى.

ويمثل “فيلق الشام” الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا منذ عام 2014، حيث ذاع صيته إعلاميا على إثر الضجة الإعلامية التي خلفتها هجماته العسكرية على النظام في الغوطة الشرقية والقلمون بما سمي آنذاك بغزوات “ذات الرقاع” في أغسطس 2016.

وبات هذا الفصيل يتمتع بترسانة عسكرية كبيرة بفضل الدعم العسكري الكبير الذي خصصته له تركيا. كما أن هناك تنظيمات أخرى، من أبرزها الحزب الإسلامي التركستاني الذي يضم مقاتلين من أقلية الإيغور التركمانية، وشارك في القتال مع “جيش الفتح” ولعب دورا كبيرا في السيطرة على ريف إدلب الغربي.

تغلغل إيراني
تشير بعض التقارير إلى وجود أكثر من 24 ميليشيا مدعومة إيرانيا في سوريا، والهدف الرئيسي لها هو منع أي معارضة سنية حال تمكنها من الاستيلاء على السلطة من السيطرة على كل سوريا، وهي تعمل أيضا على إعادة رسم الخارطة السكانية في سوريا، لذلك عمدت إلى تشكيل ميليشيات طائفية من السوريين كفوج “الإمام الحجة” المحلي و”لواء الرضا”، وينحدر معظم المنتسبين إلى هذه الميليشيات من قرى محافظة حمص ذات الأغلبية الشيعية.

وعمدت الميليشيات إلى تغيير الخارطة الديموغرافية من خلال التهجير القسري للآلاف من السنّة كما وقع في مدينة القصير بريف حمص وتحويلها إلى مركز للشيعة. وتجدر الإشارة إلى تواجد الحرس الثوري الإيراني في شرق الباغوز، وهو يؤطر انتشار كل الميليشيات المتواجدة في منطقة تربط بين محافظات دير الزور، والرقة، والحسكة، وريف حلب الجنوبي، وريف حلب الشمالي.

وبات شرق البلاد بذلك تحت سيطرة طهران بعد أن كشفت شبكة عين الفرات مواقع 13 ميليشيا من ضمنها ميليشيات حزب الله اللبناني. وتسيطر هذه الميليشيات على المنطقة الواقعة جنوب نهر الفرات من منبج إلى البوكمال، مما جعل من هذا المحور، طريق طهران نحو البحر المتوسط لتأمين ممر بري، بعد أن عززت مواقعها قرب الفرات.

طموحات تركية وروسية
تقوم أنقرة منذ عدة سنوات بتشكيل تحالفات مرنة مع روسيا وإيران، وتسيطر قوات درع الفرات المدعومة منها على بلدة جرابلس ونواحيها، وهي نقطة دخول نهر الفرات إلى سوريا إضافة إلى منطقة الباب.

وتنتشر تركيا في 12 نقطة مراقبة بإدلب ومحيطها لتطبيق اتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه قبل عام ونصف العام على إقامة منطقة منزوعة السلاح في المحافظة لمنع عملية عسكرية سورية واسعة. لكن هذه النقاط تواجه مأزقا إذا تم حصارها من الجيش السوري أو انفصلت إحداها عن باقي أجزاء إدلب في ظل تقدم قوات النظام.

وفي ما يخص التحركات الروسية بسوريا فهي تحركات في عدة مسارات متوازية تجمع بين استعمال القوة العسكرية وأدوات الدبلوماسية الناعمة.

وعلى الرغم من نفوذها العسكري تتجنب موسكو إلى حد الآن الصدام مع مختلف القوى الدولية والإقليمية، ووجهت جهودها إلى وضع دمشق في حظيرة مشروعها الأوراسي لتعزيز مكانتها في المتوسط حتى لا تستطيع واشنطن والمعسكر الغربي بمفردهما التحكم في أجندة المتوسط.

وعليه، فإن مستقبل التسوية السورية متعثر بسبب تباين مصالح أطراف الصراع حيث أخذ التنافس الإقليمي والدولي صراعا بالوكالة، مما يؤثر كثيرا في موقف التنظيمات والفصائل المسلحة ورؤيتها تجاه عملية التسوية، وذلك في ظل استمرار ابتعاد سوريا عن الحاضنة العربية، وعليه فإن استمر الحال على ما هو عليه فلا وعود أو بشائر تلوح في الأفق وتنبئ بنهاية الصراع وعودة الاستقرار إلى هذا البلد المنهك منذ مارس 2011.

التعليقات

ملفات ساخنة

السبت 28 سبتمبر 2019 4:31 م

 أوقفت فرقة أمنية مختصة عددا من القياديين في جبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة، وذلك في أعقاب بيان منسوب لما يعرف بمجلس إطارات الجبهة الإسلامية للإن...

السبت 28 سبتمبر 2019 4:31 م

برز ملف فاغنر في ليبيا مؤخرا بشكل بارز عقب اندلاع المواجهات المسلحة في السودان، والمخاوف من انتقالها إلى الجنوب الليبي. ومع مقتل زعيم فاغنر يفغيني بري...

السبت 28 سبتمبر 2019 4:31 م

تسعى الصين إلى توسيع نفوذها الأمني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متخفية تحت غطاء الشركات الأمنية الصينية الموجهة لحماية رعايا بكين في المنطقة، مستفيد...

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر