إعطاء فرصة للمسار السياسي
يستعد عدد من أعضاء مجلس النواب الليبي (البرلمان) لزيارة العاصمة الأميركية واشنطن، في تحرك برلماني، يأتي فيما دخل سياق الأحداث السياسية والعسكرية في ليبيا، مرحلة جديدة تتسم بتسارع التطورات عكسته زيارة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، إلى الإمارات العربية المُتحدة، وسط تسريبات عن تحركات دولية للدفع نحو حل سياسي عاجل يضع في الحسبان دور الجيش في تفكيك المجموعات الإرهابية بما في ذلك داخل طرابلس.
وتتزامن زيارة المبعوث الدولي مع صدور بيان مُشترك حول الوضع في ليبيا وقعته ست دول هي الإمارات ومصر وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء الأعمال العدائية المستمرة في طرابلس، ودعت فيه إلى وقف القتال، والعودة إلى العملية السياسية التي تتوسط فيها الأمم المتحدة.
وتدفع الأمم المتحدة باتجاه استثمار البيان المشترك للدول الستة لمنع التدخلات الخارجية في ليبيا خصوصا ما تسعى اليه تركيا.
وأكد عبد الله بلحيق، الناطق الرسمي بإسم مجلس النواب الليبي(البرلمان)، في اتصال هاتفي مع “العرب”، من مدينة طبرق الليبية، أن هذه الزيارة وشيكة جدا، وهي تؤكد مرة أخرى الدور الهام الذي يقوم به البرلمان الليبي باعتباره المؤسسة الشرعية الوحيدة التي تمثل الليبيين.
ولم يُقدم بلحيق المزيد من التفاصيل بشأن الزيارة التي يُنظر إليها على أنها مُقدمة لتحركات سياسية اخرى، لاسيما وأنها تأتي على قاعدة التنسيق الكامل مع الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، في سياق المعركة المفتوحة على الإرهاب والمتطرفين في العاصمة طرابلس.
غير أن عضو البرلمان الليبي ابراهيم الدرسي، لم يتردد في القول إن هذه الزيارة تأتي “تتويجا للعلاقات المتصاعدة بین ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمشير خليفة حفتر، وما أبداه ترامب من دعم للجيش الليبي في حربه ضد الإرهاب”.
وكشف الدرسي في اتصال هاتفي مع “العرب” من مدينة بنغازي بشرق ليبيا، أن الوفد البرلماني الليبي الذي سيزور واشنطن قريبا، يتألف من خمسة برلمانيين من مختلف المناطق الليبية، حيث التقوا في وقت سابق مع حفتر في إطار الاستعداد لهذه الزيارة التي تعكس تزايد عوامل الإدراك بالمتغيرات التي تحيط بالمشهد الليبي.
وأكد أن الوفد البرلماني الليبي سيلتقي خلال تواجده في الولايات المتحدة بعدد من أعضاء من الكونغرس لإطلاعهم على الوضع في ليبيا، وتطورات عمليات الجيش الليبي لاستعادة العاصمة طرابلس من الجماعات المُتطرفة في سياق الحرب الدائرة على الإرهاب.
وقال إن الوفد سيطلع المسؤولين الأميركيين على قرار البرلمان الليبي المُتعلق بتعيين حفتر قائدا للجيش، وتكليفه بمحاربة الإرهاب، وذلك ردا على الدعايات المغلوطة التي تبثها جماعة الاخوان المسلمين في الولايات المتحدة ضد الجيش وقياداته، وادعاءھا أن الجيش خارج عن الشرعية”.
ويُضيف هذا التحرك البرلماني الليبي نحو واشنطن أبعادا جديدة لمُجمل التحركات السياسية والعسكرية الليبية التي أخذت خلال الفترة الماضية سياقا بدا مغايرا للتحركات السابقة، خاصة وانه ترافق مع تزايد الحديث عن زيارة مُرتقبة للمشير حفتر إلى واشنطن.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون الوفد البرلماني الليبي سيعمل خلال تواجده في واشنطن على ترتيب زيارة حفتر، خاصة في هذا التوقيت الذي بات فيه الجميع مقتنعا بالدفع نحو حل سياسي يحظى بدعم إقليمي ودولي، وهو ما يمكن أن تندرج ضمنه زيارة المبعوث الأممي غسان سلامة إلى الإمارات.
والتقى سلامة خلال تواجده في أبوظبي، وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، حيث قالت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا في حسابها الرسمي في “تويتر”، إن زيارة سلامة إلى أبوظبي تهدف للبحث مع كبار المسؤولين حول السبل الممكنة لوضع حد للاقتتال الدائر في ليبيا والعودة للعملية السياسية.
ومن جهتها أشارت وكالة الأنباء الاماراتية إلى أن الإمارات أكدت حرصها على إنجاح دور الأمم المتحدة لإنهاء الخلافات بين الأطراف الليبية ووضع حد للمأساة الإنسانية ومكافحة الجماعات المتطرفة ومحاربة الإرهاب والمليشيات المسلحة وضرورة نزع السلاح منها.
وترافق هذا التأكيد مع صدور بيان مُشترك حول الوضع في ليبيا وقعته ست دول هي الإمارات ومصر وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، دعت فيه إلى وقف القتال، والعودة إلى العملية السياسية التي تتوسط فيها الأمم المتحدة.
وحذرت تلك الدول من أن القتال “فاقم من حالة الطوارئ الإنسانية” وزاد من تدهور أزمة المهاجرين، وأعربت عن خشيتها أن يؤدي الفراغ الأمني إلى تعزيز المتطرفين.
وجاء في البيان ان الدول “تدعو جميع أطراف النزاع في طرابلس إلى النأي بأنفسهم من جميع الإرهابيين والأفراد المستهدفين من قبل لجنة العقوبات في الأمم المتحدة، وتجديد التزامهم بمحاسبة المسؤولين عن زعزعة الاستقرار في شكل أكبر”.
وأكد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في تغريدة له عبر “تويتر”، أن بيان الدول الست حول ليبيا، يمثل إرادة المجتمع الدولي، (…) ويعكس أولوية العودة للمسار السياسي، والتحذير من محاولات الجماعات الإرهابية استغلال الفراغ تجسيد لطبيعة المخاطر، موقف مهم لصالح السلام والاستقرار”.
وبات من الواضح أن المجتمع الدولي يدفع نحو حل سياسي في ليبيا، ولكن لا بد أن يتم تحييد المجموعات الإرهابية والجماعات المتحالفة معها، وهو ما يلتقي عمليا مع رؤية الجيش الليبي بقيادة حفتر، الذي يعتقد أن دخول طرابلس وتطهيرها من الإرهاب يهدف إلى خلق ظروف مواتية لحل سياسي دائم.
ويقول متابعون للشأن الليبي إن توقف الجيش عن دخول طرابلس يأتي في سياق إعطاء الفرصة لجهود الحل السياسي التي تدعمها دول عربية غربية معنية بالملف الليبي بشكل مباشر، وأن غياب طرف جدي في طرابلس وسيطرة المتطرفين على قرار حكومة الوفاق قد يطيل الأزمة ويدفع الجيش الليبي إلى الحسم العسكري.
ويضع هذا الموقف الدولي الحازم حكومة فايز السراج في إحراج شديد إذ ستكون مطالبة بفك صلاتها مع المجموعات المصنفة إرهابية، وهو أمر صعب، خاصة أن تلك المجموعات تلعب دورا مهما في الحرب، وهي من تحمي حكومة الوفاق وتتحكم بالسلاح والأموال المرصودة في ميزانية الحرب.
ويعتقد المتابعون أن أي محاولة للنأي بالنفس ستقود إلى حرب داخلية بين المجموعات المتحالفة مع حكومة الوفاق، وهو ما يجعل التدخل المباشر للجيش الوطني أسلم طريقة لمواجهة الإرهاب وتفكيك مجموعاته وتعبيد الطريق أمام انتقال سياسي جدي وآمن.