الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون
عندما توصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون إلى عقد قمة سنغافورة العام الماضي، أثير كثير من التساؤلات حول كيفية حدوث الأمر رغم التوترات القديمة والمستمرة بين الجانبين، لكن ذهب الفضل بأكمله إلى الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن في إتمام المهمة.
لكن تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أوضح أن تحسن العلاقات بين الكوريتين لم يكن هو العامل الوحيد الذي ساعد في التوصل إلى القمة التاريخية.
وذكرت الصحيفة، خلال تقريرها المنشور مساء الإثنين، أنه كانت هناك لقاءات سرية استمرت لمدة عقد جمعت بين مسؤولين بالاستخبارات الأمريكية ونظرائهم من كوريا الشمالية، وكانت بمثابة القناة السرية التي سمحت بالتواصل بين الجانبين في أصعب الأوقات، وساعدت في إطلاق سراح المحتجزين، كما ساهمت في تمهيد الطريق للقمة التاريخية التي جمعت بين الرئيس دونالد ترامب وكيم جونج أون العام الماضي.
وأوضح مسؤولون أمريكيون سابقون وحاليون أن القناة السرية بين وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) وجواسيس خصم الولايات المتحدة اللدود، تضمنت بعثتين إلى بيونج يانج عام 2012 بقيادة مايكل موريل الذي كان حينها مديرًا للوكالة، ثم واحدة على الأقل بقيادة خليفته أفريل هاينز.
القناة السرية لم تكن هي العامل الوحيد الذي ينسب إليه الفضل في تحقيق اللقاء التاريخي بين الزعيمين، فقد ساهم تحسن العلاقات بين كوريا الشمالية والجنوبية بشكل كبير في الأمر.
لكن وجود القناة الاستخباراتية كشف عن بعد جديد لم كان معروفًا عن العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية، وأضاف جانبا جديدا للصورة العامة المتعلقة بالتهديدات المتبادلة وتعثر المحادثات، وحتى القمة رفيعة المستوى مؤخرًا.
لم تجمع الولايات المتحدة وكوريا الشمالية أية علاقات دبلوماسية، ولا تملك أيًا منهما سفارة في عاصمة البلد الأخرى، فلطالما تبادلتا الرسائل عبر بعثة كوريا الشمالية في الأمم المتحدة، وبالنسبة لبعض المسؤولين الأمريكيين، فإن جدوى هذه القناة محدودة، موضحين أن هدفها الأساسي كان تمرير الرسائل إلى وزارة الخارجية الكورية الشمالية الأقل تأثيرًا.
وقبل عهد عقد القمم، كانت القناة الاستخباراتية هي وسيلة التواصل مباشرة مع متشددي النظام، وقد استخدمت واشنطن نظراءها لأغراض متعددة؛ امتدت من مناقشة أمر السجناء الأمريكيين إلى كونها أداة محتملة لإدارة الأزمات، كوسيلة لتأكيد استعداد الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مقابل نزع السلاح النووي وآلية لمناقشة خطط القمة، بلغت ذروتها في زيارة بومبيو العام الماضي عندما كان مديرًا لـ"سي آي إيه".
بدء المحادثات
في وقت يرجع على الأقل لعام 2009، خلقت القناة علاقات بين الأجهزة الأمنية التي قدمت طريقًا للدبلوماسية، التي كان المحور الرئيسي فيها الجنرال كيم جونج شول، الذراع اليمنى للزعيم الكوري الشمالي، والآن المفاوض البارز عن بلاده، الذي التقى، الجمعة، مع ترامب ومايك بومبيو.
أما من الجانب الأمريكي، ففي هذا العام، تم تكليف جوزيف ديتراني، الضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية، بمهمة التواصل مع كوريا الشمالية، وبعد توليه المسؤولية عام 2010، قام برحلة سرية إلى بيونج يانج لتحذير كوريا الشمالية من نشر السلاح النووي والأنظمة الصاروخية.
كان هذا الوقت حرجا للغاية، لكن توصل الجانبان إلى اتفاقية في 29 فبراير/ شباط 2010، وافقت كوريا الشمالية بموجبها على وقف برنامجها الخاص بالصواريخ طويلة المدى والاختبارات النووية وإغلاق منشآتها النووي في يونجبيون، مقابل عودة المساعدات الغذائية الأمريكية لها، لكن قالت واشنطن إن الخطط الكورية الشمالية لإطلاق قمر صناعي ستنتهك الاتفاق.
مشككون
كان مسؤولون كبار في وزارة الخارجية الأمريكية مدركين لوجود قنوات خلفية، وتساءل بعض المتشككين من المسؤولين السابقين حول ما إذا كانت القناة السرية قلصت دور التفاوض التقليدي الذي تضطلع به الوزارة.
لكن جويل ويت، المسؤول السابق بالوزارة، قال إن إبقاء قنوات التواصل مفتوحة أمر مهم دائمًا، لكن من يرسلون تلك الرسائل وفحواها أمر أيضًا مهم، مشيرًا إلى أن ضباط الاستخبارات ليسوا دبلوماسيين مدربين، وإن لم يبعثوا بالرسالة الصحيحة قد يؤتي ذلك بنتائج عكسية.
بعد التقارير الاستخباراتية عام 2016، تبين أن كوريا الشمالية تحرز تقدمًا في برامجها الصاروخية والنووية، مما دفع واشنطن لزيادة العقوبات الاقتصادية عليها، في مؤشر على احتمال تراجع عمل القناة السرية.
ومع تزايد التوترات في أغسطس/ آب 2017، أعيد تنشيط القناة مع وصول مايك بومبيو لمنصب مدير الوكالة الأمريكية، وإرساله أحد الضباط للقاء نظرائهم الكوريين الشماليين في سنغافورة.
وفي مؤشر على بدء تحسن الأوضاع، ألمح كيم جونج أون خلال خطاب رأس السنة 2018، إلى إرسال وفد لحضور الألعاب الأولمبية، وبدأ مسؤولون من كوريا الجنوبية في تشجيع فكرة لقاء رفيع المستوى بين ترامب وكيم.
وبعد ثلاثة أشهر من ذهاب بومبيو إلى بيونج يانج في مارس/ آذار، تحقق اللقاء أخيرًا بين الزعيمين، وتشهد حاليًا العلاقات الدبلوماسية بين البلدين انفتاحًا من أعلى المستويات.