موانئ استراتيجية بكل المقاييس
تملك العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أول وثاني أكبر اقتصاد في منطقة الخليج العربي تباعا وذلك بفضل مدخراتهما من النفط، لكن البلدين ينظران إلى المستقبل مستبقين الهبوط في قيمة النفط وإن كان ذلك يبدو بعيدا ربما، لكن لا مناص منه.
ويرصد تقرير لمركز ستراتفور الأميركي للدراسات الأمنية والاستخباراتية توجهات سعودية وإماراتية طموحة لإرساء برامج تنوع اقتصادي طموح كجزء من جهود أوسع للتحديث الاجتماعي، ونظرا لتموقعهما على طرق تجارية أدركتا وجود أرباح تحقق في مجال الموانئ ووظائف الشحن البحري المصاحبة التي تعتبر رهانا ماليا آمنا.
لم الموانئ الخليجية مربحة
نظرا لموقعها في مكان يساعد على التجارة بين أوروبا والصين، ظلت البلدان في شبه الجزيرة العربية محطات ضرورية على الطرقات العالمية الكبرى بين الشرق والغرب لعدة قرون. وبالتالي يعد تحركا طبيعيا وسليما من الناحية الاقتصادية تركيز هذه البلدان على توسيع مجالات النقل بالسفن كطريقة لإنتاج الثروة من قطاعات غير نفطية.
وخلافا للصناعات غير النفطية الأخرى مثل السياحة والبناء، تعد هذه الصناعة مستقرة وتنشط على مدار السنة وتتطلب المدراء والموظفين ذوي الياقات البيض، وليس فقط عمالا بالساعد. وتتميز الموانئ الخمسة الكبرى في السعودية والإمارات بأنها محاور للشحن العابر وكذلك مقاصد ترصيف نهائية. وتوفر محاور الشحن العابر فرصا اقتصادية أكبر مقارنة بالموانئ النهائية، حيث يتم تفريغ السلع أو تصديرها لأنها تسمح بتطور الأعمال التي توفر التأمين وخدمات توريد وتصدير وتوظف رسوم إرساء وغيرها.
ما هي الموانئ الخمسة الكبرى
* الإمارات: ميناء جبل علي في دبي وميناء خليفة في أبوظبي هما أكبر ميناءين إماراتيين. ويعد محور جبل علي للشحن العابر الوزن الثقيل الإقليمي بسعة 22.1 مليون حاوية نمطية (بطول 20 قدما) من الحمولة. (عدد الحاويات النمطية في ميناء معين هو طريقة مفيدة لقياس الحجم والأثر الصناعي).
يرتبط ميناء جبل علي بأكبر محورين للنقل الجوي في المنطقة وهما مطار دبي ومطار المكتوم الدوليين، وهو ميناء حديث يحتوي على تكنولوجيات جديدة مثل الرافعات المؤتمتة وتكنولوجيا البلوكشاين، وتقوم شركات خاصة بدعم من التمويل الحكومي بتطوير خطة لإنشاء هايبرلوب، أو الأنشوطة المرتفعة، تربط جبل علي بميناء خليفة.
مركز ستراتفور: لدى الموانئ الخمسة في السعودية والإمارات إمكانيات نمو هائلة
* السعودية: تنكب السعودية هي الأخرى على توسيع موانئها الكبرى. ويعد ميناء الملك عبدالعزيز في الدمام على ضفاف الخليج العربي محور التصدير الأول في السعودية للصادرات الصناعية والنفط والغاز. وقامت سلطات الميناء بتوسيع سعته لتصل إلى 1.5 مليون حاوية نمطية.
وعلى البحر الأحمر يوجد ميناء جدة الذي يناول 4.15 مليون حاوية نمطية وهو المحور اللوجستي الأساس في السعودية.
ويوفر هذا الميناء واردات إلى المحافظتين الغربيتين الحجاز وجزان الآهلتين بالسكان وصادرات منهما، فضلا عن مدينة الرياض. لكن هذا الميناء مرتبط أيضا بمرفق البضاعة بمساحة 35 ألف متر مربع في مطار الملك عبدالعزيز الدولي القريب، وتنوي سلطات الميناء تحويل ميناء جدة إلى محور شحن عابر قيّم.
وأخيرا هناك ميناء الملك عبدالله، وهو أحدث ميناء في البلاد وأكثرها طموحا. هذا الميناء هو في الواقع ملحق لمدينة الملك عبدالله الضخمة وهي في طور الإنجاز. ويعتبر محور شحن عابر عصري بطاقة 1.7 مليون حاوية نمطية، ولدى الحكومة خطط لترفيع ذلك العدد ليصل إلى 5 ملايين في السنوات القليلة القادمة.
هل هناك مخاطر استثمارية
لدى هذه الموانئ الخمسة (وهي الأكبر في المنطقة) إمكانية النمو الهائل، خاصة إذا تدعمت بمزيج من الاستثمار الحكومي والخاص من مصادر محلية وأجنبية.
وتنتظر الحكومتان السعودية والإماراتية من موانئهما بأن تدفع بنسبة التشغيل لمواطنيهما، وهذه نقطة مهمة خاصة بالنسبة إلى السعودية التي تبلغ نسبة البطالة فيها 12.9 بالمئة. كما يعول على الموانئ الموسعة لجلب المزيد من الاستثمارات المباشرة ومن ثم توليد المزيد من رأس المال.
ويشير تقرير مركز سترافور إلى أن السعودية والإمارات تحاولان الابتعاد ببطء من النظام الحالي الذي تنتج فيه الحكومة الثروة من المحروقات.
بالرغم من أن الموانئ السعودية والإماراتية الكبرى تدار باستقلالية، فهي تعتمد على مزيج من الاستثمار الخاص والحكومي من أجل الاشتغال والنمو. ويعتمد النجاح المالي لهذه الموانئ على تواصل التركيز الحكومي على توسيع الموانئ والبناء. وإلى حد الآن، تتدفق الأموال والنوايا الحسنة، لكن إنجاز هذه المشاريع الضخمة يستغرق سنوات، وإذا أخذت الأولويات الاقتصادية للحكومة وجهة مختلفة قد يترك المستثمرون في هذه المشاريع غير المكتملة معلقين مثلما يبرهن على ذلك القرار المتبادل الأخير للدول الخليجية بوضع مشروع الخط الحديدي المفترض أن يربطها ببعضها البعض على الرف.
ومع ذلك، يؤكد التقرير الأميركي أن هذه الموانئ لديها القدرة على أن تكون مربحة إلى درجة كبيرة بالنسبة للمراهنين عليها من عمال ومستثمرين أجانب ونخب سعودية وإماراتية. لكن حتى يتحقق ذلك، وفي منطقة مثل الخليج العربي والشرق الأوسط هناك ضوابط ومسارات محددة تضبط إيقاع هذه التوجهات والطموحات وتحدد مدى سرعتها.