العراق يئن تحت وطأة الفساد
تخشى السلطات العراقية من أن تتطور الاحتجاجات الشعبية في بعض مناطق الوسط والجنوب، ضد تدهور أداء منظومة الطاقة الوطنية التابعة للحكومة، بالتزامن مع تسجيل درجات حرارة مرتفعة جدا خلال فصل الصيف، إلى عصيان مدني أو مواجهات مع أجهزة الأمن.
ومنذ مطلع الشهر الجاري، سجلت درجات الحرارة في معظم مناطق العراق ارتفاعا كبيرا، لتقترب من نصف درجة الغليان أو تتجاوز ذلك في بعض الساعات، بالتزامن مع انهيار منظومة الكهرباء الوطنية، وانخفاض عدد ساعات تجهيز المواطنين بالطاقة الحكومية إلى ساعتين خلال اليوم في بعض المناطق.
وسجلت مدن البصرة وميسان وذي قار والنجف وواسط وديالى، تظاهرات متقطعة، اختار منظموها أن يكون وقتها مسائيا بسبب ارتفاع درجات الحرارة أثناء النهار.
40 مليار دولار التهمها الفساد في قطاع الكهرباء دون أن يتحسن أداؤه
ويؤكد نشطاء أن التظاهرات مستمرة إلى حين قيام الحكومة بتحسين أداء منظومة الكهرباء الوطنية، فيما ستشكل درجات الحرارة التي يتوقع أن تحافظ على معدلاتها المرتفعة في العراق حتى نهاية الشهر الجاري، حافزا إضافيا للجماهير.
وبسبب شيوع الفساد في مؤسسة الدولة، ضاعت قرابة 40 مليار دولار على قطاع الكهرباء في العراق، منذ 2003، من دون أن يتحسن أداؤه.
وتسجل فصول الصيف في العراق تظاهرات مماثلة في العادة، بسبب زيادة معدلات انقطاع الكهرباء بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة. لكن الصيف الحالي ربما يكون مختلفا، إذ تتزامن الاحتجاجات مع فراغ تشريعي بعد انتهاء المدة الدستورية للبرلمان السابق، وتحوّل السلطة التنفيذية إلى حكومة تصريف الأعمال.
وعادة ما يتهم المدافعون عن الحكومة أطرافا سنية على صلة بحزب البعث المحظور في العراق بالوقوف وراء التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، التي تأتي مطلبية في معظمها. لكن هذه الورقة لا يمكن استخدامها هذا الصيف في ظل المقارنات العلنية التي يجريها نشطاء شيعة بين الخدمات التي كانت تقدم خلال حقبة النظام السابق وتلك المقدمة حاليا.
وعمليا، من الصعب اتهام نشطاء في العشرينات من أعمارهم بتأييد حزب البعث الذي وقع حظره في العراق منذ 2003، إذ لا يمكن أن يكون هؤلاء قد انتموا إلى الحزب المذكور في عمر الخمس سنوات.
وتضج حسابات العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي بموجات من السخرية على البؤس الذي سجله قطاع الخدمات الحكومي، ولا سيما التيار الكهربائي والصحة.
ولم يعد النشطاء يخشون من إجراء مقارنات علنية، في فيسبوك على سبيل المثال، بين أداء قطاعات خدمية حكومية الآن ومثيلاتها خلال أعوام الثمانينات وحتى التسعينات من القرن الماضي خلال مرحلة الحصار الاقتصادي الدولي، الذي فرض على العراق جراء اجتياح الكويت.
وينظر إلى هؤلاء النشطاء على أنهم محركون أساسيون للاحتجاجات الشعبية التي تخرج في مناطق مختلفة.
وحتى الآن لم تسجل أي محافظة خروج موجة بشرية كبيرة للتظاهر في أي مكان، لكن استمرار سوء أداء التيار الكهربائي قد يسهم في توسيع دائرة الاحتجاج.
ويقول مراقبون إن الاحتجاجات التي خرجت في مناطق عراقية متفرقة تمتاز بجرأتها، إذ اختار منظموها أن تقترب من منازل المسؤولين الحكوميين المحصنة أمنيا بشكل مبالغ فيه.
وأمضى المتظاهرون ساعات عديدة، مساء الاثنين، في محيط منزل محافظ واسط، وطلبوا منه الخروج للتحدث إليهم عن أزمة الكهرباء.
ويقول مراقبون إن النشطاء الذين يقودون التظاهرات، لا يعبأون بتحذيرات رجال الأمن من مغبة الاقتراب من منازل المسؤولين والدوائر الحساسة.
وفي حال لم يتحسن التيار الكهربائي الحكومي، فإن التوقعات تجمع على إمكانية اتساع نطاق حركة الاحتجاج وتزايد حدتها.
ورصدت “العرب” دعوات أطلقها نشطاء في محافظات عراقية مختلفة “للتظاهر بشأن التيار الكهربائي” في مواعيد مختلفة، ما يشير إلى غياب التنظيم العام وانعدام أثر التوجيه السياسي على حركة الاحتجاج الحالية.
ويقول عراقيون من جنوب البلاد إن “الحياة في ظل درجات حرارة تتجاوز خمسين درجة مئوية بلا تيار كهربائي، تشبه الموت”. لذلك يدعون الناس إلى الخروج في تظاهرات مستمرة، فيما يتحدث آخرون عن “عصيان مدني”، ويدعون الموظفين الحكوميين إلى المشاركة فيه.