التباسات في العلاقة بين تونس وأنقرة
أثارت تصريحات لوزير الدفاع التونسي، عبدالكريم الزبيدي، حول رغبة بلاده في تركيز صناعة عسكرية بالتعاون مع تركيا، الكثير من الهواجس لدى مختلف الأوساط السياسية في البلاد، التي لا تُخفي خشيتها من المحاولات التركية لتحويل تونس إلى بوابة للتمدد في منطقة شمال أفريقيا وبقية دول الساحل والصحراء الأفريقية.
وقال الزبيدي في تصريحات تضمنها بيان لوزارة الدفاع التونسية، إن تونس “في حاجة إلى توطين الصناعات العسكرية بصفة تدريجية بالتعاون مع تركيا في إطار الشراكة مع القطاع الخاص، وتقديم المساعدة التقنية، ونقل الخبرة في هذا المجال”.
وأضاف في أعقاب اجتماع عقده، الثلاثاء، مع أوغوزجارميقلي، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة “نورأول” التركية، الناشطة في عدة مجالات منها الصناعات العسكرية، أن تونس “تمثل منصة لترويج مثل هذه المنتجات العسكرية في بلدان غرب أفريقيا التي تربطنا بها علاقات تعاون”.
ورغم أن تونس سبق لها أن أعلنت قبل ثلاثة أيام على لسان وزير الدفاع، عن رغبة عدد من الدول في جعل تونس منصة تصنيع عسكري من أجل تصدير منتجاتها نحو دول أفريقية، فإن وجود تركيا بالتحديد ضمن هذه الدول دق ناقوس الخطر، خاصة وأنه تزامن مع تأكيد وزارة الدفاع التونسية في بيانها أن الاجتماع خُصص “لمتابعة القرارات التي اتخذها الجانبان التونسي والتركي بشأن تركيز وحدات إنتاج للتصنيع العسكري بتونس خلال زيارة العمل التي أدّاها وزير الدفاع التونسي إلى تركيا في أبريل الماضي”.
وساهم ذلك في ارتفاع منسوب القلق من التغلغل التركي في تونس الذي اتخذ أشكالا عديدة، خاصة في هذه المرحلة التي تُحيط فيها التباسات عديدة بالعلاقة بين تونس وأنقرة، التي لم تخرج من دائرة الضبابية التي تسعى حركة النهضة الإسلامية التي تُوصف بأنها “وكيل تركيا في البلاد” إلى إبقائها فيها حتى يتسنى اكتمال تحوّل تونس إلى قاعدة خلفية لتركيا.
ودفع ذلك التغلغل المُتصاعد غالبية الأوساط السياسية في البلاد إلى التحذير من مخاطره، حيث تعالت الأصوات المُحذرة من تزايد الحضور التركي في البلاد الذي توسّع منذ زيارة أردوغان لتونس والتي كشفت عن طموحات عسكرية تركية قوية ليس فقط في تونس، وإنما في عموم المنطقة.
وعكست تلك الزيارة التي تمت في 27 ديسمبر من العام الماضي، وما رافقها من ضجيج سياسي، عن رغبة تركية في التمدد والتوسع في المنطقة، وتحصين نفوذها بتواجد عسكري دائم.
وكان لافتا خلال تلك الزيارة التي اندرجت في سياق جولة في أفريقيا، أن الوفد الذي رافق أردوغان تضمن في صفوفه، وزير الدفاع آنذاك نورالدين جانكلي، ورئيس الأركان العامة للجيش في ذلك الوقت الجنرال خلوصي أكار، إلى جانب عدد كبير من كبار الضباط العسكريين والأمنيين.
وقالت مباركة براهمي، النائبة بمجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي لـ”العرب”، إن ثمة مؤشرات تدل على أن السلطات التونسية “لم تتعظ، ولا تُريد أن تتعظ من تجارب الدول الأخرى التي اكتوت بنار التورط التركي في دعم جماعة الإخوان المسلمين، ومختلف تنظيمات الإسلام السياسي التي تدور في فلكها، والتآمر على أمنها واستقرارها”.
وحذرت من أن تونس “ليست بمنأى عن ذلك التآمر التخريبي المكشوف، خاصة في ظل وجود أطراف مُتنفذة في الحكم لها صلات وارتباطات بتركيا لا تُخفيها، بل تُفاخر بها في الكثير من الأحيان”.
واعتبرت أنه منذ العام 2011، كان “التورط التركي في تونس واضحا لمختلف الفاعلين السياسيين، ذلك أن المشهد السياسي الحالي الذي يتسم باختلال التوازن لصالح حركة النهضة الإسلامية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، ما كان ليتشكل على هذا النحو لولا تدخل المال القطري والتركي”.
وفيما شددت البراهمي على أن ما ورد على لسان وزير الدفاع التونسي، وخاصة تأكيده على وجود تعاون عسكري مع تركيا، “يضر بالمصالح الأمنية والعسكرية للشعب التونسي”، ويُشاطر المراقبون السياسيون هذه القراءة ويذهبون إلى القول إن تركيا تسعى من وراء هذا التعاون في المجال العسكري، إلى تحويل تونس إلى بوابة للتسلل من خلالها إلى أفريقيا، وبالتالي إحكام السيطرة التركية في سياق التنافس المحموم على مراكز النفوذ في المنطقة.
وتكاد مُختلف القراءات تُجمع على أن تركيا برئاسة أردوغان لم تتوقف منذ العام 2011، عن محاولة توظيف دعمها لجماعات الإسلام السياسي لتوسيع مجال نفوذها خاصة في منطقة شمال أفريقيا، وبالتحديد في ليبيا وتونس، وذلك بعد أن فقد أردوغان أمله في عضوية بلاده للاتحاد الأوروبي.
وتطور هذا المسعى بأشكال جديدة، عبر إدماج البعد العسكري تحت عنوان التعاون الثنائي، لتكون بذلك تركيا مؤثرة في المنطقة الأفريقية، خاصة وأن جولته الأفريقية المذكورة في ديسمبر الماضي، شملت إلى جانب تونس كلا من السودان وتشاد، وقد تم خلالها التوقيع على عدة اتفاقيات عسكرية، منها تمكين تركيا من بناء مرسى لصيانة السفن الحربية في السودان.
وجاءت تلك الاتفاقيات التي تنوعت في أبعادها بعد أشهر قليلة من افتتاح تركيا قاعدة تدريب عسكرية في الصومال بقيمة 50 مليون دولار، وبعد سماح السلطات القطرية لتركيا بنشر دفعة جديدة من جنودها في قطر في إطار اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، ما يعني أن المُخطط التركي يُخفي أطماعا توسعية تتجاوز في أبعادها تونس لتشمل المنطقة بأسرها.