تعاط خليجي جديد مع الأردن
اعتبرت مصادر عربية تتابع الوضع في الأردن عن كثب أن حزمة المساعدات التي حصلت عليها المملكة نتيجة اجتماع مكة تشير إلى بداية مرحلة جديدة في التعاطي الخليجي مع عمان.
وأوضحت المصادر في تصريحات لـ”العرب” من العاصمة عمان، أن بداية هذه المرحلة تعني، بين ما تعنيه، انتهاء عهد الهبات المالية التي كان يحصل عليها الأردن في الماضي لتحل مكانها مرحلة المساعدات المشروطة.
وأشارت في هذا المجال إلى أن المملكة الهاشمية ستحصل بعد “قمة دعم الأردن” على مبلغ مليارين ونصف مليار دولار على شكل مساعدات موزعة كالآتي: وديعة في البنك المركزي الأردني، دعم سنوي لموازنة الحكومة الأردنية لمدة خمس سنوات، ضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن، تمويل من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية.
وكانت “قمة دعم الأردن” انعقدت مساء الأحد في مكة بحضور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ونائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمير حسين بن عبدالله.
وجاءت هذه القمة كخطوة عاجلة للحؤول دون تطور الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المملكة الهاشمية. وأدت الأزمة إلى حراك في الشارع ردا على سعي الحكومة التي كان يرأسها الدكتور هاني الملقي إلى تمرير قانون جديد لضريبة الدخل.
وذكرت المصادر العربية أن حجم الحراك الشعبي، الذي أطلقت فيه شعارات ذات طابع عنصري تناولت الملك شخصيا وزوجته الملكة رانيا من أصول فلسطينية، فاجأ كبار المسؤولين الأردنيين، كما فاجأ دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي لا تجد مصلحة في أي مساس بالاستقرار في الأردن.
وتساءلت المصادر نفسها هل ستكون حزمة المساعدات الجديدة للأردن كافية لتهدئة الشارع الذي تجاوب مع استقالة حكومة الملقي وتعيين الدكتور عمر الرزاز بديلا عنه؟
ولاحظت أن الرزاز، وهو خبير اقتصادي يمتلك تجربة طويلة في هذا المجال، تمهّل في تشكيل حكومته إلى ما بعد انعقاد قمّة مكة. ويشير ذلك إلى أن على الحكومة الجديدة أن تأخذ في الاعتبار طبيعة المرحلة المختلفة التي دخلها الأردن والتي باتت تعرف بـ”مرحلة المساعدات المشروطة”.
وقال الرزاز إن المشاورات بشأن تشكيل الحكومة لا تزال مستمرة، وإن توجيهات الملك عبدالله الثاني “كانت بأن لا يستعجل في تشكيلها كي لا يضطر إلى إجراء تعديل بعد فترة”.
وأشارت المصادر العربية إلى أن حزمة المساعدات الخليجية للأردن ستكشف مدى التورط الخارجي في الحراك الشعبي الذي شهدته مدن المملكة أخيرا، خصوصا الدور الذي يلعبه الإخوان المسلمون وبعض الأوساط المدعومة من إيران.
ويلعب الإخوان -عبر قطر وتركيا- وإيران دورا في زعزعة الاستقرار في الأردن وذلك من أجل تأكيد أن “الربيع العربي” لم ينته بعد وأن دور الأردن الذي استطاع تجاوز عاصفة هذا الربيع آت عاجلا أم آجلا.
واعتبرت لوري بوغهارت من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن “السرعة وحجم الاستجابة التي تقوم بها دول الخليج دليل واضح على قلقها وعزمها على القضاء على الاضطرابات في الأردن من جذورها”.
وقالت بوغهارت “سيقومون بكل ما بوسعهم لإفشال ربيع عربي آخر على عتبة أبوابهم”.
ويعاني الأردن من أزمة اقتصادية مع تدفق اللاجئين من جارته سوريا إثر اندلاع النزاع فيها العام 2011 وانقطاع إمدادات الغاز المصري وإغلاق حدوده مع سوريا والعراق بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة فيهما. فضلا عن انتهاء زمن المساعدات العراقية المباشرة سواء عبر استخدام موانئ الأردن للاستيراد الخارجي أو عبر تقديم هبات النفط العراقي بأسعار رمزية.
وبحسب الأمم المتحدة، هناك نحو 630 ألف لاجئ سوري مسجلين في الأردن، بينما تقول المملكة إنها تستضيف نحو 1.4 مليون لاجئ منذ اندلاع النزاع في سوريا في مارس 2011. وتقول عمان إن كلفة استضافة هؤلاء تجاوزت عشرة مليارات دولار.
وسجل معدل النمو الاقتصادي في الأردن في 2017 نحو 2 بالمئة ويتوقع أن ينخفض في 2018.
واستعادت الأوساط العربية أحداثا كان لا بد من التوقف عندها في الماضي في سياق ضرورة “ترشيد” المساعدات الخليجية للأردن. ففي شهر سبتمبر 2011 استقال، أو أُقيل، محافظ البنك المركزي الأردني الشريف فارس عبدالحميد شرف بعد اعتراضه على عدم إيداع هبة سعودية بقيمة مليار دولار في البنك المركزي.
وقالت هذه الأوساط إن ذلك الحادث، الذي وقع في وقت كانت الحكومة الأردنية برئاسة معروف بخيت، يجب أن يفتح عيون الخليجيين باكرا على ضرورة اتخاذ إجراءات تضع الأمور في نصابها بالنسبة إلى طريقة صرف المساعدات أو الهبات التي تذهب إلى الأردن.
وأعلن الاتحاد الأوروبي الأحد عن تقديم 20 مليون يورو إضافية للأردن هذا العام لدعم الأمان الاجتماعي.
وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني خلال مؤتمر صحافي في عمان “ستجدون الاتحاد الأوروبي دائما إلى جانبكم يقدم الدعم الكامل لجهود الإصلاح”.
وأوضحت أن “الأردن يلعب دورا حيويا في المنطقة بحكمة وبتوازن فريدين، وهو دور نقدره عاليا ونود دعمه بكل السبل المتاحة بما فيها الاقتصادية والمالية”.