مصالحة لم تتجاوز عتبة المصافحة
تعكس الزيارة التي بدأها، السبت، وفد أمني مصري لقطاع غزة لإجراء مباحثات مع قادة حركة حماس حول المصالحة، تمسّك القاهرة بإحراز تقدم قبل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني نهاية أبريل.
وقالت مصادر مطلعة على ملف المصالحة لـ"العرب"، إن زيارة الوفد المصري تهدف إلى محاولة إقناع حماس بإثبات حسن نواياها في ما يتعلق بتمكين الحكومة الفلسطينية والتخلي عن حكم غزة، والتعبير عن إمكانية استجابتها لمطالب الرئيس محمود عباس بشكل يمهد الطريق لإقناع فتح بمشاركة حماس في اجتماع المجلس الوطني.
وجاءت زيارة الوفد المصري مع استعداد لعقد جلسات تشاورية بين حركتي فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في القاهرة، الاثنين، لحل الخلافات المتعلقة بتمسك السلطة الفلسطينية بعقد مؤتمر المجلس الوطني دون مشاركة حماس والجهاد الإسلامي، وهو ما تعتبره الجبهة الشعبية خطوة تفضي إلى المزيد من الانقسام.
وكشفت مصادر فلسطينية لـ”العرب” أن أعضاء الجبهة الشعبية سيضعون في اجتماعهم مع ممثلي حركة فتح، خيار تأجيل الدعوة إلى عقد دورة المجلس لحين وجود توافق وطني بين الفصائل أو خيار موافقة فتح على مشاركة حماس والجهاد الإسلامي في المجلس مع تقريب وجهات النظر.
وأعلن واصل أبويوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن القاهرة تستضيف الاثنين، اجتماعا لوفدين من حركتي فتح والجبهة الشعبية، لحل خلافات حول مشاركة الأخيرة في اجتماعات المجلس الوطني.
وأضافت المصادر أن اجتماعا تنظيميا بين الشعبية ومسؤولين بجهاز المخابرات العامة المصرية وفتح، سيعقد أولا، للتنسيق في الملفات المطروحة على طاولة النقاش الرسمي لعدم حدوث خلافات والوصول إلى صيغة ترضي كل الأطراف ودفع المصالحة إلى الأمام.
وأكد حازم أبوشنب، القيادي بحركة فتح في تصريحات لـ”العرب”، أنه “لا نية تحت أي ظرف لتأجيل موعد جلسة المجلس الوطني مثلما يقترح قادة الجبهة الشعبية.. واللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس هما من تحددان الموعد أو تؤجلانه، وفق القانون”.
أزمة وفود فتح في لقاءاتها مع الفصائل المختلفة بالقاهرة تكمن في أن الحركة تأتي كمفوضة من السلطة وبأجندة محددة وفق سياسات الرئيس محمود عباس، ما يعني أن الحديث عن التفاوض حول مشاركة حماس قبل تلبية شروط أبومازن بالتمكين للحكومة قبل دخولها تحت مظلة منظمة التحرير، أمر مستبعد
ولفت أبوشنب، إلى أن “الدعوة مازالت مفتوحة لمن يرغب في الانضمام لاجتماعات المجلس، ونفضل أن تخلع حماس عن نفسها عباءة الأطراف الخارجية لصالح الفكر الوطني”.
وأعلن سليم الزعنون، رئيس المجلس الوطني في تصريحات، السبت، أنه تم توجيه 700 دعوة للمشاركة في المجلس، متحدثا عن وجود مقترحات بضم رجال أعمال ورؤساء جامعات لتعويض النقص الحاصل بسبب وفاة عدد كبير من الأعضاء، دون التطرق إلى إمكانية مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وتتقارب وجهة نظر الجبهة الشعبية مع مصر حول ضرورة إيجاد حلول مناسبة لحلحة المصالحة. وتسعى القاهرة إلى إقناع فتح بأن تكون حماس مشاركة في اللجنة التنفيذية الجديدة للمجلس الوطني مع تقديم تعهدات بأن تتنازل الحركة عن حكم غزة قريبا.
ويريد مسؤولون في مصر استثمار فرصة وجود وفد فتح بالقاهرة لإقناعه بأن تكون مشاركة حماس في المجلس خطوة أولية يعقبها تنازل عن حكم غزة، لأن عكس ذلك قبل حلول موعد انعقاد المجلس نهاية أبريل شبه مستحيل.
ويرأس وفد فتح، محمود العالول نائب رئيس الحركة، بعضوية كل من عزام الأحمد وروحي فتوح وسمير الرفاعي وأشرف دبور سفير فلسطين في لبنان، بينما يتكون وفد الجبهة من أعضاء بالمكتب السياسي، وهم: رباح مهنا وكايد الغول وغازي الصوراني وجميل مزهر ومريم أبودقة.
ومرجّح مشاركة وفد من الخارج يضم أبوأحمد فؤاد، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية، وماهر الطاهر، مسؤول الدائرة السياسية وعضو المكتب السياسي، ما يمنح الاجتماع المنتظر جدية كبيرة، ويوحي برغبة الجبهة في حل الأزمة بدلا من تعقيدها.
وعلمت “العرب” أن وفد الجبهة الشعبية يطرح مسألة وقف صرف المخصصات المالية لها من جانب السلطة منذ مطلع العام الجاري، بدعوى أنها تقف في صف حركتي حماس والجهاد الإسلامي وتناهض سياساتها الداخلية والخارجية.
وقالت الجبهة الشعبية، إن تأخير صرف رواتب الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية في غزة، يؤزّم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها القطاع.
ومتوقع أن يطالب وفد الجبهة الشعبية بتراجع الرئيس محمود عباس عن هذا القرار، لأنه غير قانوني ويتنافى مع نظام العمل داخل منظمة التحرير، ويأتي في إطار الضغط لاستمالتها ناحية السلطة.
وكشف مسؤول بحركة فتح لـ”العرب” أن العقوبات المفروضة على الجبهة الشعبية بشأن وقف المخصصات المالية لها قائمة، “وقد تتضاعف حال خروجها عن المسار الذي ترسمه السلطة الفلسطينية ورفضت المشاركة في اجتماعات المجلس الوطني، لأنه لا يجب أن يغرد أي فصيل بعيدا عن السرب في ظل الظروف السياسية الراهنة التي تتعلق بالقضية الفلسطينية لأجل مصالح وحسابات سياسية ضيقة”.
وتتمسك الجبهة بأن يكون المجلس الوطني مشتملا على كل الفصائل، بما فيها حماس والجهاد الإسلامي، على أساس اتفاقيات القاهرة في 2011 ومخرجات اجتماع بيروت في يناير 2017، ما يشي بأنها تتجه نحو مقاطعة اجتماع المجلس المقبل، حال رفض وفد فتح لخياراتها المطروحة، لأن عكس ذلك يدفع إلى المزيد من الانقسام ويقضي على فرص المصالحة التي ترعاها القاهرة.
وتكمن أزمة وفود فتح في لقاءاتها مع الفصائل المختلفة بالقاهرة في أن الحركة تأتي كمفوضة من السلطة وبأجندة محددة لا تحيد عنها، وبالتالي لا تملك حق تغيير قرارات وسياسات الرئيس عباس، ما يعني أن الحديث عن التفاوض حول مشاركة حماس قبل تلبية شروط أبومازن بالتمكين للحكومة قبل دخولها تحت مظلة منظمة التحرير، أمر مستبعد، لأن السلطة تريد التمكين والسيطرة بالسلاح، وهو ما ترفضه حماس قطعيا.
وقال هؤلاء إن اجتماع الجبهة الشعبية وحركة فتح بالقاهرة، ربما يرسم شكل العلاقة بين الفصائل والسلطة ويحدد مصير المصالحة، لأنه في حال إصرار فتح على موقفها بعقد اجتماع مجلس وطني، وتمسك الجبهة بموقفها المساند لحماس والجهاد، فذلك يعني تكريس الانقسام واحتضار المصالحة وتمسك حماس بغزة وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على القطاع بشكل قد يدفع سكانه إلى الانفجار.