غضب فلسطيني أشبه بانتفاضة ثانية
أعادت “مسيرات العودة” بالقرب من الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، الزخم والبوصلة إلى القضية الفلسطينية مجدّدا، بعد تراجعها، بسبب مستجدات الملف السوري والعراقي اللذين سحبا الأنظار إليهما منذ اندلاع ثورات ما سمي بالربيع العربي 2011.
ويشير محللون سياسيون فلسطينيون إلى أن المسيرات أحيت الملف الفلسطيني من جديد، بعد الصدمة التي تلقاها الفلسطينيون والعالم العربي على حد السواء منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لحليفته إسرائيل، في انحياز تام لها تجاوز فيه المبادرات العربية والأممية لإنهاء الصراع الدائر منذ أكثر من سبعين عاما.
وفي 6 ديسمبر 2017، قرر ترامب اعتبار القدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لإسرائيل، والبدء بنقل سفارة واشنطن إلى القدس، وسط استنكار عربي ودولي واسع.
واعتبر محللون فلسطينيون في أحاديث منفصلة لوكالة “الأناضول” أن “مسيرات العودة” قد حققت نجاحا كبيرا لصالح الفلسطينيين، رغم الخسائر البشرية الفادحة التي تكبدوها وسقوط عدد كبير من الشهداء بلغ المئة شهيد في هبة يوم الأرض.
ويرى هؤلاء أن المسيرات “حملت معها عناصر قوة وربح للفلسطينيين، أكثر من نقاط الخسارة”. وأنها بمثابة رد شعبي رافض لما أطلق عليه ترامب بصفقة القرن، الخطة التي تعمل الإدارة الأميركية على صياغتها لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
هذا الرفض الشعبي سبقه رفض القيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، حيث سارع إلى رفض الخطة الأميركية ووصفها بـ“صفعة العصر”.
ويشير مركز المستقبل للدراسات إلى أنه منذ إعلان ترامب مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، يتحرك الرئيس الفلسطيني على أكثر من اتجاه لإفشال الخطط الأميركية؛ فقد أعلن عن رفضه لهيمنة الولايات المتحدة على عملية السلام ويحاول جاهدا دفع قوى جديدة للانخراط في المباحثات.
ورغم حالة الانقسام بين حركة فتح التي يمثلها عباس وحركة حماس ذات الخلفية الأيديولوجية الإسلامية والتي تتبع استراتيجية تتنافى مع المصالح الفلسطينية العربية لما أبدته من ولاء للمحور الإيراني القطري التركي الذي يتبنى دورا تخريبيا بالمنطقة، إلا أن جذور الانقسام تعود إلى رفض الحركة الإسلامية ما يسمى بالحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية منذ إعلان اتفاق أوسلو للسلام 1993. غير أن الفرقاء المختلفين أجمعوا على رفضهم صفقة القرن الأميركية.
وقالت حماس في بيان لها الجمعة إن الشعب الفلسطيني شيع اليوم صفقة القرن إلى مثواها الأخير، مضيفة أن “الشعب هو الرقم الأصعب الذي لا يمكن تجاهله أو تجاوزه أو المرور على إرادته”.
ويؤكد المحللون أن مسيرات العودة هي رد فعل الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم عن الخطط الأميركية المرتقبة، وتنديد بفرض واشنطن المزيد من الضغوط على السلطة الفلسطينية ومؤسساتها. حيث يستنكر الفلسطينيون الغطاء الأميركي المتواصل لإسرائيل الذي يغض النظر عن التجاوزات وانتهاكاتها المتواصلة لحقوق الشعب الفلسطيني.
نقاط الربح
تجمهر عشرات الآلاف من الفلسطينيين العزل، صباح الجمعة الماضي، في عدة مواقع قرب السياج الفاصل بين القطاع وإسرائيل، تلبية لدعوة وجهتها فصائل فلسطينية، بمناسبة الذكرى الـ42 لـ“يوم الأرض”.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطاالله، أن “أكبر ربح حصده الفلسطينيون في مسيرات العودة، هو إعادة البوصلة تجاه قضية فلسطين على كافة المستويات”.
وتابع بقوله “لقد كان الفلسطينيون أمس عزّلا، لم يحمل أحد منهم رصاصة واحدة، ومع ذلك تعرضوا للقتل والإصابة، وهذا كشف البطش الإسرائيلي بحقهم، وأدان إسرائيل أمام العالم”. وأشار عطاالله إلى أن “الفلسطينيين استطاعوا من خلال مسيراتهم السلمية البحتة، أن يكسبوا التأييد العربي والإقليمي والدولي لقضيتهم”.
وأردف “كما استطاع الفلسطينيون من خلال مظاهرتهم السلمية تفكيك الأسطورة الإسرائيلية القديمة التي لم يؤكدها علماء التاريخ بعد، بأن الإسرائيليين كانوا يملكون أرض فلسطين قبل ثلاثة آلاف عام، فيما أكدت المسيرات على الرواية الحقيقية الحديثة للفلسطينيين، بأن إسرائيل أخرجتهم قسرا من أرضهم قبل 7 عقود ويريدون العودة لها”.
ومن جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن “الفلسطينيين ربحوا المعركة، رغم عدد الضحايا الذين سقطوا”. وأكد أن “الفلسطينيين ربحوا استراتيجيا، حيث أخرجوا فعاليات إحياء يوم الأرض خارج حدود قطاع غزة وأوصلوها للعالم”.
وأضاف “الفلسطينيون تمكّنوا من إعادة الاهتمام الإعلامي العربي والدولي لقضيتهم”.
وبحسب عوكل فإن أبرز نقاط الربح التي حققها الفلسطينيون تتمثل في “إحداث قلق شديد في العقل الإسرائيلي، ووضعه أمام حيرة في التعامل مع الفلسطينيين، فهو غير قادر على خوض حرب تجاه المدنيين وفي الوقت ذاته غير قادر على الصمت”.
وتابع “كما نجحوا في إرسال رسائل قوية لإسرائيل، أبرزها أن انفجارهم سيكون باتجاهها إذا ما استمرت في حصارها لغزة”. واستدرك “إسرائيل تعمل جاهدة ألا يكون انفجار الفلسطينيين نحوها، بسبب تردي مستوى معيشتهم، بل تريده أن يكون داخليا أو باتجاه مصر”.
مسيرات العودة نجحت في إعادة الزخم الشعبي والتضامن العربي والدولي مع القضية الفلسطينية. ويجمع محللون على أن هبة الأرض التي أطلقها الشعب الفلسطيني بمثابة الرد الرافض لخطط الإدارة الأميركية لتحقيق السلام وتنديد بتعثر المفاوضات وتجاهل المبادرة العربية.
ويرى عوكل أن أحداث الجمعة كشفت “زيف الرواية الإسرائيلية، والأسلوب الإجرامي الوحشي الذي تستخدمه إسرائيل بحق الفلسطينيين، أمام العالم أجمع”.
وتحاصر إسرائيل قطاع غزة منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية (البرلمانية) عام 2006، ثم شددته في عام 2007. وتعاني غزة، حيث يعيش قرابة مليوني نسمة أوضاعا معيشية وصحية متردية للغاية، جراء حصار إسرائيل المتواصل للقطاع، منذ صيف عام 2007، وتداعيات الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس بعد فوز الأخيرة في الانتخابات البرلمانية عام 2006.
وأشار المحلل السياسي مشير عامر إلى أن “مسيرات العودة جمعت الفلسطينيين أخيرا تحت راية موحدة، بعد انقسام فلسطيني مرير مازال قائما منذ أكثر من 11 عاما”.
أشار عامر إلى أن الفلسطينيين أرسلوا رسالة قوية للعالم بأنهم “لن يتخلوا عن حق عودتهم إلى أراضيهم التي هجّرتهم منها إسرائيل عام 1948”. وتابع “كما أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام مشاريع التصفية التي تستهدف قضيتهم، وأبرزها صفقة القرن والقرارات الأميركية بحق قضيتهم”.
وتوقع أن يكون النضال السلمي الفلسطيني عنوان المرحلة القادمة، بعد فشل المفاوضات الفلسطينية، وهذا سيرهق إسرائيل ويستنزفها، لأنها ستدان أمام العالم لاستخدامها القوة المفرطة أمام العُزّل.
وتوقفت المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ أبريل 2014، إثر رفض تل أبيب وقف الاستيطان والإفراج عن معتقلين قدامى، وتنصلها من حل الدولتين على أساس دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. ولفت إلى أن المسيرات السلمية قد تدفع المجتمع الدولي للخروج عن صمته، والتوقف عن انحيازه لإسرائيل، “التي تستخدم السلاح بحق المدنيين”. ويتفق المحللون الثلاثة على أن الخسارة الوحيدة بالنسبة للفلسطينيين، هي “الشهداء الذين سقطوا في أحداث يوم الأرض، والجرحى”.
ويشير مركز رؤية للدراسات والأبحاث الفلسطيني إلى أنه على رغم أن مسيرات العودة استعادت البعد الشعبي للقضية، إلا أنها لن تحقق نتائج ملموسة إذا لم يقع تطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالملف الفلسطيني. ويتوقع مركز الأبحاث أن تؤدي المسيرة لمواجهة عسكرية جديدة مع الإسرائيليين، إذا خرجت الأوضاع عن السيطرة، لكن تظل المواجهة المحدودة أحد أقرب السيناريوهات المتوقع حدوثها، ويتوقف على قدرة الأطراف الفلسطينية على ضبط الأوضاع، وعلى طبيعة رد الفعل الإسرائيلي على الأحداث