تملق الإخوان لتركيا
أكدت جماعة الإخوان المسلمين على مبدأ “العالمية” الرافض لتحوّلها إلى كيان وطني تنتمي كل ذراع فيه إلى حدود دولته وهويتها، خلال الاحتفال بمرور تسعين عاما على تأسيس الجماعة في 22 مارس 1928 في مصر على يد حسن البنا.
ومنذ ذلك التاريخ قاد الإخوان المسلمون مواجهات شرسة مع دوائر الحكم في بلدان عربية عدة، بعدما أثبتوا مساعيهم لإعادة الخلافة الإسلامية مرة أخرى، منتهجين في ذلك العمل السري كمقدمة أولوياتهم لتحقيق هذا الهدف.
وكانت الجماعة أول من قدّم إلى العالم العربي الاغتيالات كسلاح سياسي، بعدما قتل منتمون إلى التنظيم الخاص للإخوان القاضي أحمد الخازندار، الذي حكم بحلّ الجماعة في مارس عام 1948، وبعدها بستة أشهر اغتال أعضاء التنظيم أيضا رئيس الوزراء آنذاك محمد فهمي النقراشي باشا.
والأحد، أحيت الجماعة الذكرى التسعين لتأسيسها، تحت عنوان “تسعون عاما من العطاء”، بمركز أمير أفندي الثقافي، بالطرف الأوروبي لمدينة إسطنبول التركية.
وشارك في الاحتفال العشرات من قيادات الإخوان المسلمين في العالم، بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين والأمين العام للتنظيم الدولي، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس الفلسطينية.
وقال منير إن “الجماعة لم تتأخر عن القضايا الإنسانية والعالمية، ومنها قضية القدس والمسجد الأقصى، والتي وضعتها الجماعة على رأس أولوياتها”.
وتابع في كلمة له في الحفل، إن “هذه الاحتفالية تتزامن مع يوم العودة في فلسطين، وسط عجز القريب والبعيد عن تقديم العون لفلسطين، ونؤكد على المسؤولية التامة للجميع تجاه مدينة القدس والقضية الفلسطينية”.
ولطالما شكلت القضية الفلسطينية منصة للإخوان للهجوم على النظام العربي الرسمي، وعلى الفلسطينيين أنفسهم، باستثناء حركة حماس، الذراع الفلسطينية للإخوان.
ومنذ تأسيسها وظفت الجماعة أفكارا دينية متشددة من أجل تحقيق أهداف سياسية في دول عربية وإسلامية، وتطورت هذه الأفكار مع الوقت إلى أن تحولت إلى بذور لموجات تشدّد غير مسبوقة قامت على أفكار منظر الجماعة التاريخي سيد قطب، ومثلت الأسس التي قامت عليها لاحقا الجماعة الإسلامية وتنظيم القاعدة، وشكلت منطلقا فكريا لصعود تيار الصحوة الإسلامية في السعودية.
وقال منير “تسعون عاما مضت من تاريخ الدعوة، دافعت من خلالها عن دين الله عز وجل، ورغم ما وقع عليها من قتل بغير حق واضطهاد، فإنها تعتبر ذلك تثبيتا على طريق الدعوة، وما زالت الجماعة تسعى للفهم الصحيح لدين الله”.
والفهم الديني الصحيح بالنسبة للجماعة هو ما يفضي إلى استيلائها على الحكم في عدة دول، وربط الأنظمة “الإخوانية” الناشئة معا تدريجيا حتى الوصول إلى “أستاذية العالم”، وهو المبدأ الذي وضعه البنا.
ولم يبق أمام الإخوان المسلمين اليوم سوى تركيا، التي يسعى زعيمها رجب طيب أردوغان لإحياء احتلال عثماني لدول عربية وإسلامية استمر لأكثر من نصف قرن. كما تحظى الجماعة بدعم دولة قطر، وهي إمارة خليجية تتمتع بوفرة مالية جعلتها تطمع في لعب أدوار إقليمية كبرى، مستغلة تجذر أذرع الجماعة سياسيا واجتماعيا في المنطقة.
لكن قطر باتت اليوم في مأزق، بعد فرض مصر والسعودية والإمارات والبحرين مقاطعة اقتصادية وسياسية عليها منذ 5 يونيو من العام الماضي، كما ذاعت سمعتها في العالم كدولة تدعم الإرهاب، بعد ثبوت تورطها بعلاقات مع الإخوان وتنظيمات أخرى متطرفة كجبهة النصرة في سوريا، وطالبان في أفغانستان، والقاعدة جنوب الصحراء، وقيادات الجماعة الليبية المقاتلة، وفي نفس الوقت تورطها مع الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان.
ومثل وصول الإخوان إلى الحكم في مصر عام 2012، أكبر مغامرة خاضتها الجماعة منذ تأسيسها، قبل الإطاحة بالرئيس المنتمي إلى صفوفها محمد مرسي، إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه اندلعت بعد ذلك بعام واحد.
ويقول متخصصون في الإخوان إن “القرن العشرين مثل بالنسبة للإخوان مرحلة الصعود، والقرن الحادي والعشرين ربما سيكون زمن أفول شمسهم”.
ومع عزلة متزايدة تعاني منها قطر، أصبحت تركيا، الواقعة تحت حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الملاذ الآمن والوحيد للإخوان.
وقال خالد مشعل إن “تركيا العظيمة تفتح قلبها الكبير للإخوان المسلمين وغير المسلمين، ومن خلال هذا الاحتضان الله سيحفظ تركيا”.
وأكد “نحن من ثمرات الإخوان المسلمين”.
وأشار إلى أن “بركة الإخلاص هي التي أينعت وامتدت في حركة الإخوان المسلمين، وأن الشمول أقرب إلى طبيعة الحياة، وهو ما جاء به الإمام البنا، في السياسة والاقتصاد والعقيدة السلفية والطريقة الصوفية”.
وتابع “التجديد سنة الحياة، والشجاعة في التقييم والتصوير ونقد الذات، والاعتراف بالخطأ إذا وقع، وحركة الإخوان ينبغي أن تنقد نفسها، لأن ذلك يرفع من شأنها ويزيد الثقة بها”.
وأدى تحكم قيادات القطبيين (نسبة إلى المؤمنين بأفكار سيد قطب) في عملية اتخاذ القرار في الإخوان، جمودا في عملية مراجعة، يرى خبراء في الجماعات الإسلامية أنها باتت حتمية بعد دخول الجماعة إقليميا في مرحلة التهديد الوجودي.
وأدى غياب المرونة في التعاطي مع الرفض الشعبي والرسمي في دول المنطقة لعودة الجماعة لتصدر المشهد العربي مرة أخرى إلى حدوث انقسامات حادة في صفوفها، انتقل على إثرها عدد كبير، خصوصا بين الشباب، إلى تنظيمات أكثر تطرفا كداعش في العراق وسوريا وشبه جزيرة سيناء.
وللجماعة، المصنفة في مصر والسعودية والإمارات تنظيما إرهابيا، حضور في 52 دولة عربية وأوروبية وآسيوية وأفريقية، وفي أميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا، بينما تتصاعد مطالبات في لندن وواشنطن بحظر أنشطتها.