هل تطوى المسافة بينهما؟ سؤال يسكنه الشك
أوحت نتائج القمة المصرية السودانية، الاثنين، بأن القاهرة والخرطوم تجاوزتا العقبات في القضايا الخلافية، دون أن يفصح الرئيسان عبدالفتاح السيسي وعمر حسن البشير عن الآليات التي اُتخذت للوصول إلى هذه النقطة الإيجابية.
وبدا السيسي والبشير في المؤتمر الذي عقداه بالقاهرة أن تفاهمات تم التوصل لها، وأن البلدين منسجمان، وكأن الأشهر الماضية لم تشهد تصعيدا مخيفا بينهما.
وتتسق الكلمات التي عبر بها السيسي عن تقديره للبشير وشعبه، مع رغبته في تجنّب التصعيد مع السودان ومحاولاته الدؤوبة لضبط النفس، وتنطوي العبارات العاطفية التي صاغ بها البشير تقديره لمصر ورئيسها على تكرار لما قيل في معظم اللقاءات المشتركة.
وأكد عطية عيسوي، الخبير المصري في شؤون السودان، لـ”العرب”، أنه كان يتمنى الإعلان عن حل مشكلة واحدة من المشكلات المتراكمة بين البلدين، وحتى اقتراح تشكيل قوة مشتركة لضبط أمن الحدود لم يأت ذكره مباشرة في اللقاء بين الرئيسين.
وأضاف، أن اللغة التي تم التعامل بها مع ملف سد النهضة والعلاقات مع إثيوبيا، انطوت على تكرار ما سبق الحديث عنه بطريقة فضفاضة، والخاصة بالالتزام باتفاقية مارس 2015 التي وقعت في الخرطوم، وهي تحمل تفسيرات متباينة من دولة إلى أخرى.
وكان المحور الأمني بندا رئيسيا في زيارة البشير للقاهرة، واحتل مساحة كبيرة من المناقشات، وتوصل الطرفان لتفاهم حول ما يغضب كل طرف من الآخر، والتشديد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة، وأن أمن البلدين “خطر أحمر”.
وأوضحت بعض المصادر لـ”العرب” أن البشير تأكد من عدم صحة تدخل مصر أمنيا في شؤون بلاده، وأن المعلومات التي كانت تصله من أجهزة استخباراته هدفها تعكير العلاقة مع مصر التي نفت قيام أي من قيادات المعارضة المقيمة في القاهرة بأي دور يؤثر على أمن السودان.
من المرجح حدوث تغيير إيجابي في التوجه المصري السعودي الإماراتي حيال السودان لخلخلة تحالفه مع أنقرة والدوحة
وأشارت إلى أن مصر حصلت على تطمينات بشأن إبعاد العناصر الإخوانية المطلوبة أمنيا من الأراضي السودانية، وهو ما ظهرت ملامحه مؤخرا، من خلال تغيير عدد كبير من القيادات الأمنية والعسكرية والتنفيذية المتعاطفة بشدة مع الحركة الإسلامية في السودان، بصورة لقيت ارتياحا في القاهرة، وبدأت نتائجها الإيجابية تتكشف من خلال تعدد اللقاءات الأمنية.
واستضافت القاهرة في 8 فبراير الماضي، لقاء رباعيا ضم وزيري الخارجية ورئيسي المخابرات في البلدين، ثم قام اللواء عباس كامل، مدير المخابرات المصرية الجديد، بزيارة للخرطوم الأسبوع الماضي، وأزاحت هذه اللقاءات بعض الغموض الذي اكتنف تقديرات كل طرف للآخر.
وقال عطية عيسو لـ”العرب” إن لقاء عباس كامل والبشير في الخرطوم “مهد بقوة لهذه القمة، وأزال الكثير من الالتباس، وعّبر عن رغبة الطرفين في عدم الاستمرار في التصعيد”.
وتريد مصر أن تمر فترة الانتخابات الرئاسية أيام 26- 28 مارس الجاري دون حوادث أمنية، وهو ما بدا واضحا في تلميح البشير إلى أن مصر “بحاجة إلى استقرار أمني خلال فترة الانتخابات”، لذلك سعت القاهرة إلى تأمين جبهة السودان التي قيل مرارا إن عناصر متشددة تتسرب منها إلى داخل مصر.
وفي المقابل، تسعى الخرطوم إلى استمرار التهدئة مع القاهرة لضمان مرور فترة إعادة هيكلة النظام السوداني، على المستوى الأمني والحزبي، وتمرير عملية إعادة ترشيح عمر البشير لفترة رئاسية جديدة بسلاسة.
وكشفت المصادر لـ”العرب” أن علاقات السودان مع كل من تركيا وقطر، وهي محل إزعاج كبير لدى مصر، لم يقدم فيها البشير جديدا، سوى تأكيده النظري على عدم المساس بالأمن القومي المصري، في إشارة مطاطة قد يكون أراد من ورائها الرئيس السوداني الحصول على مقابل من جانب مصر وحلفائها.
ولم تستبعد المصادر حدوث تغيير إيجابي في التوجه المصري السعودي الإماراتي حيال السودان لخلخلة تحالفه مع كل من أنقرة والدوحة، عبر وعود بتقديم أنواع مختلفة من الدعم الاقتصادي، بما يعوضه أي خسارة متوقعة، حال ابتعاده عن تركيا وقطر.
ومعروف أن النظام السوداني يتمتع بدرجة عالية من البراغماتية ويدمن الاحتفاظ بأوراق للمقايضة بها والحصول على مكاسب نوعية، وظهرت تجليات هذا التوجه في محطات كثيرة، أبرزها الانتقال من الخصام إلى الوئام مع دولة مثل مصر.
ولا يعيب السودان أن يكون حليفا للسعودية في التحالف العربي في اليمن، وقريبا من قطر التي تلعب دورا كبيرا في دعم التوجهات المعاكسة لهذا التحالف.
ويعتبر متابعون أن هذه الزاوية المدخل الرئيس للتأثير في توجهات السودان، بمعنى خلق بدائل جيدة ومساعدات سخية للسودان، الأمر الذي بدأت تلتفت إليه القاهرة وحلفاؤها مؤخرا، ومن الممكن أن تظهر نتائجه قريبا.
لكن بعض الدوائر، حذرت من عودة النظام السوداني إلى ألاعيبه، فهو يمكن أن يقدم تنازلا في قضية معينة ويحتفظ بخط رجعة في قضايا أخرى. وأشاد عطية عيسوي، بأهمية استمرار اللقاءات المشتركة بين البلدين، لأنها تساهم في تسكين الأزمات لفترة طويلة.