مراهنة خاسرة
أعلنت إيران أنها لن تتفاوض بشأن صواريخها الباليستية حتى تفكك الولايات المتحدة وأوروبا أسلحتها النووية في مواصلة لموقف طهران الحازم بشأن هذه المسألة، في خطوة لا تهدف إلا لافتعال ضجيج أصبح عادة مترسخة في السياسة الإيرانية، ورسالة استبقت بها طهران زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى إيران.
ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن مسعود جزائري، المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، قوله “التفاوض حول الصواريخ الإيرانية مشروط بتدمير الأسلحة النووية وصواريخ أميركا وأوروبا بعيدة المدى”.
ويأتي هذا التصريح على خلفية تغيير ملحوظ في سياسة العواصم الأوروبية التي شاركت في صياغة الاتفاق النووي وكانت إلى وقت قريب تعارض المواقف الرافضة لسياسة إيران في الشرق الأوسط ومطالب احتوائها خوفا على تداعيات ذلك على الاتفاق النووي والمكاسب الاقتصادية التي كانت تتوقع تحقيقها بفضله.
وبدا واضحا في الفترة الأخيرة أن هناك تقاربا أميركيا أوروبيا حول مواجهة إيران، على عكس السنة الأولى من حكم الرئيس الأميركية دونالد ترامب. وبدا الأوروبيون يتحدثون بلهجة مختلفة، تفصل بين الاتفاق النووي وبقية الملفات التي تتورط فيها إيران من ذلك برنامج الصواريخ الباليستية وسياستها في الشرق الأوسط.
وبعد أن كانت القوى الأوروبية تضع كل الملفات المتعلقة بالتجاوزات الإيرانية في سلة واحدة مع الاتفاق النووي، أضحت تتحدث على أنها ستعمل على رسم استراتيجية حول كيف يمكن معاقبة إيران على برنامج الصواريخ البالسيتية ودعمها للميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط مع الحفاظ على الاتفاق النووي.
وصرحت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، خلال زيارة إلى برلين، ولقائها مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مؤخرا، أن بلادها تشارك الولايات المتحدة مخاوفها بشأن الأنشطة الإيرانية في الشرق الأوسط، وعبرت عن استعدادها لاتخاذ المزيد من الإجراءات ضد طهران، مع ضرورة تطبيق الاتفاق النووي الإيراني بالكامل.
وتشارك برلين، لندن موقفها من السياسات الإيرانية التي لا تحترم القوانين الأممية. وأكّد وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، أنه على الرغم من دعوته جميع الأطراف الولايات المتحدة إلى عدم الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، فإن المواجهة الشاملة لنشاطات إيران في المنطقة تظل الخيار الصحيح.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كممثل لأول دولة من الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي، التي انتقدت برنامج إيران الصاروخي وسياساتها في المنطقة، دعا إلى أن “السياسة الخارجية الإيرانية تشكل عاملا مزعزعا للاستقرار” في الشرق الأوسط.
ضغوط فرنسية مؤثرة
أصبح واضحا أن باريس تقود حملة أوروبية هدفها ممارسة الضغوط على إيران لوقف تمددها داخل بلدان الشرق الأوسط، وتتولى هذه الحملة التفريق بين الملف النووي، وبين تهديد إيران لمحيطها الإقليمي مستفيدة من المزايا التي وفرها الاتفاق النووي عبر رفع العقوبات.
وانتقد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في مناسبات عديدة هذا الموقف، وقال إن برنامج إيران الصاروخي المقلق. وطالب مرارا بضرورة “الحيلولة دون أن يصبح برنامج إيران الباليستي عنصرا يهدد جيرانها”.
وأعلن رفض أي “محور إيراني من البحر المتوسط إلى طهران”، وطالب برحيل المقاتلين الإيرانيين المتواجدين في سوريا.
وأثار لودريان غضب طهران عندما ندّد بـ”نزعة الهيمنة” لدى إيران في الشرق الأوسط ولبنان واليمن مرورا بسوريا والعراق. والأسبوع الماضي قال لودريان، خلال مؤتمر صحافي جمعه في موسكو بنظيره الروسي سيجري لافروف، إن “طموحات إيران الصاروخية الباليستية مقلقة للغاية وتتنافى مع قرار للأمم المتحدة”.
وأضاف أنه “من الضروري الحيلولة دون أن يصبح برنامج إيران الباليستي عنصرا يهدد جيرانها”.
وأكد لودريان “إننا مصممون تماما على الضغط بشكل قوي على إيران لمنع” تطوير “قدرة باليستية تزداد أهمية” وذلك “بواسطة عقوبات إذا اقتضى الأمر”، وأضاف “سأتوجه إلى إيران لأقول لهم ذلك”، وهو الأمر الذي يجعل هناك رابط بين هذه الزيارة وتصريح جزائري الذي قال فيه إن إيران لن تتفاوض بشأن صواريخها الباليستية حتى تفكك الولايات المتحدة وأوروبا أسلحتها النووية في مواصلة لموقف طهران الحازم بشأن هذه المسألة.
يزور لودريان إيران، الأحد والاثنين، لبحث الملفات الإقليمية لا سيما الخاصة باليمن وسوريا. ومن المنتظر أن يبحث لودريان الاتفاق النووي إضافة إلى دور إيران العسكري المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط ودعمها لحزب الله في لبنان والميليشيات الحوثية في اليمن، فضلا عن برنامجها الباليستي.
ووصفت صحيفة لوموند الزيارة بأنها “حساسة وصعبة”، مشيرة إلى أنه سيتم خلالها الترتيب لزيارة ماكرون إلى إيران، التي ستكون الأولى لرئيس فرنسي منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية سنة 1979.
رسالة إيرانية
في رسالة مشابهة لرسالة المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، حذّر مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي ماكرون من التطرق إلى موضوع برنامج إيران الصاروخي خلال زيارته إلى طهران.
وقال ولايتي خلال استقباله وفدا فرنسيا “إذا طرح ماكرون خلال زيارته إلى طهران موضوع التفاوض بشأن قدراتنا الصاروخية، فمن المؤكد أنه سيواجه ردا سلبيا”، مضيفا أن “إيران لن تحتاج إلى إذن من أي دولة بشأن قدراتها الصاروخية وستواصل تنمية القدرات الصاروخية بما يتناسب مع احتياجاتها الدفاعية”.
وكان ماكرون قال في 13 فبراير الماضي، إن انتشار الصواريخ الإيرانية داخل سوريا واليمن يشكّل تهديدا على الحلفاء في المنطقة.
وطالب بوضع إيران “تحت المراقبة بشأن صواريخها الباليستية” واقترح فرض عقوبات جديدة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.
وكرر ولايتي ذات التحذير، في تصريحات نقلتها وكالة إسنا، قبل يومين من لقائه بلودريان، مؤكدا أن "برنامج إيران الدفاعي لا يخص دولا أجنبية مثل فرنسا، ويجب أن لا يقولوا لنا ما هي الصواريخ التي يجب ان نمتلكها. هل نقول لفرنسا كيف تدافع عن نفسها؟".
وأضاف "إذا كانت زيارة لودريان تهدف إلى تعزيز العلاقات بيننا، فعليه تجنب اتخاذ مواقف سلبية".
يرى الخبيران في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مايكل نايتس وكاثرين باور، أن من شأن اتخاذ مثل هذه الإجراءات على مستوى الاتحاد الأوروبي الأوسع نطاقا أن يوجّه رسالة قوية مفادها أن أوروبا ترى انتشار القذائف الإيرانية بمثابة تهديد، وأنها مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة للتصدّي لها.
ويشير فرزين نديمي، الباحث في معهد واشنطن، إلى أن إيران تمتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ الباليستية والصواريخ في منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن برنامج الصواريخ متقدم نسبيا، ويشمل كادرا من المهندسين والفنيين الماهرين الذين يعملون في إطار “منظمة الصناعات الجوية الفضائية” بوزارة الدفاع الإيرانية القوية سياسيا، والتي لديها أكثر من عشرين شركة تابعة لها منذ العام 1993.
ويعد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني بأنه فرع المنظمة الأكثر نشاطا في مجال التطوير وأكبر المستخدمين النهائيين، وخاصة منذ 8 سنوات عندما أنشأ مركز أبحاث للصواريخ والفضاء الخاص به لتعزيز أنشطة الصواريخ. وقام الحرس الثوري بعد ذلك بدمج المركز مع منظمة “جهاد الاكتفاء الذاتي” الخاصة به.
ويؤكد نديمي أن إيران تحتاج إلى سنوات لتطوير صواريخ أكثر تهديدا لكن يبدو أنّ قيادتها تكرّس نفسها لمتابعة هذه الإمكانيات وهذا لا يبشر بتحقيق الاستقرار في المنطقة، وعليه فقد أصبح من الأساسي معالجة هذه القضية، مشددا على أهمية ما دعا إليه الرئيس الفرنسي بشأن التركيز الدولي على إنشاء نظام قابل للتطبيق لمراقبة جهود الصواريخ الإيرانية.
عشية استقبالها لوزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، قالت إيران إنها “لن تتفاوض بشأن صواريخها الباليستية حتى تفكك الولايات المتحدة وأوروبا أسلحتها النووية”، في تصريح بدا موجها لرئيس الدبلوماسية الفرنسي المعروف بموقفه المتشدد من برنامج الصواريخ البالسيتية الإيراني والذي لطالما فرّق بين ملف الاتفاق النووي والتهديد الإيراني لمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا، سواء عبر الصواريخ الباليستية أو أجندات إيران في لبنان واليمن وسوريا والعراق وما يتعلق بالممر نحو المتوسط.