صاحون لمقاتلة الشيطان الأكبر
عبرت إيران عبر تصريح العميد حسين سلامي نائب قائد حرس الثورة من دون مواربة، عن أن المؤسسة العسكرية العراقية خاضعة لها، فيما تحاول استخدام سمعة الجيش العراقي التي تتحسن باستمرار، بوصفه حليفا محسوما أمره، في حال اندلعت مواجهة مسلحة بين واشنطن وطهران. وأكدت طهران أنها تخطط لاستخدام الجيش العراقي في الدفاع عن أراضيها في صد هجوم أميركي وشيك عليها.
وقال نائب قائد حرس الثورة إن طهران “أجرت تقييما لكافة نقاط القوّة والضّعف عند جبهة الاستكبار”، في إشارة إلى الولايات المتحدة وحلفائها.
وأضاف “نحن على اطلاع كامل بكافة القدرات الجويّة والبحرية الأميركية المحيطة بإيران، ونعتبر أن خيار الحرب هو خيار واقعي ونستعد له”.
وبحسب الجنرال الإيراني، فإن “الصواريخ الباليستية الإيرانية قادرة على استهداف حاملات الطائرات الأميركية بدقة في أي مواجهة محتملة”.
وأكد أن “من غير المنطقي أن يحصر أي بلد نطاق أمنه داخل حدوده، ونحن نعتبر الجيش السّوري والعراقي العمق الاستراتيجي لنا”، مؤكدا أن “أفضل استراتيجية للاشتباك مع العدو تكون عن بُعد”، في إشارة واضحة إلى أن إيران تنوي نقل أي مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة إلى أراضي العراق وسوريا واستخدام جيشي البلدين كخط دفاع أول عن أمن إيران.
وتابع، “نحن والدول الإسلامية في سفينة واحدة وأمننا مرتبط ببعضه البعض، وعندما نوسع نطاق الجبهة نشتت إمكانيات العدو وبالتالي إضعافه”.
ويرى مراقبون سياسيون أن “طهران تريد توريط العراق وسوريا في أي نزاع مستقبلي مع الولايات المتحدة، على أمل تحقيق تكافؤ في موازين القوى”.
وتعول إيران على “دوافع مذهبية تضمن لها هيمنة بعيدة المدى على الجيش العراقي”.
إلا أنّ كاتبا سياسيا عراقيا قلل من أهمية تصريحات سلامي معتبرا أنها لا تعبر عن حقيقة الوضع الذي تواجهه إيران، لذلك “يمكن اعتبارها نوعا من محاولة إدامة الأزمة التي أنيطت مهمة إدارتها للملالي والسياسيين”.
وبالرغم من أن سمعة هذا الجيش تحسنت كثيرا، عندما بدأ في 2015 يستعيد الأراضي التي انسحب منها، أمام زحف تنظيم داعش في صيف 2014، إلا أن “التأثير المذهبي ما زال حاضرا بقوة في صفوف تشكيلاته”.
واستعاد الجيش العراقي الكثير من الثقة مع الإعلان عن النصر على تنظيم داعش عقب تحرير مدينة الموصل، لكن عجلاته ما زالت تظهر في مناطق سنية، وهي ترفع لافتات ذات دلالات طائفية، وتتضمن شعارات عن “الثأر للحسين”، يعتقد السنة أنها موجهة ضدهم.
ولعبت الولايات المتحدة دورا بارزا في تحصين الجيش من الانقسامات الطائفية التي يمكن أن تستغلها إيران، ولكن الجهود الأميركية أثمرت في قطعات محدودة ولم يتسع تأثيرها.
وعلى العكس من ذلك، ظهر قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، في الكثير من المواقع التي تنتشر فيها القطعات العراقية خلال الحرب على تنظيم داعش، فيما اعتبر المراقبون ذلك رسائل إيرانية تؤكد نفوذها في المؤسسة العسكرية العراقية.
ويربط مراقبون بين تصريحات الجنرال الإيراني سلامي وبين قرب موعد الانتخابات العراقية، في ظل اصطفاف ممثلي قوات الحشد الشعبي المدعومين من إيران في جبهة تنافس رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، المدعوم من الولايات المتحدة.
ويقول مراقبون إن إيران ربما تستغل نفوذها في قوات الأمن العراقية لدعم بيئة تصويتية تخدم ساسة الحشد خلال الاقتراع، ما يمكن أن يؤثر بشكل حاسم في عملية اختيار رئيس الوزراء القادم.
ويسود اعتقاد على نطاق واسع في العراق بأن قبضة الحكومة العراقية المركزية على محافظات الوسط والجنوب، حيث الأغلبية الشيعية من السكان، ليست كما هي عليه في بغداد والمحافظات القريبة منها. وينتشر السلاح بكثرة في هذه المناطق، سواء ذلك الذي يملكه الحشد الشعبي أو العشائر. وستشكل كل هذه الحقائق الميدانية تحديات للجيش العراقي.
وتعتقد قيادات في الحشد الشعبي بأن الجيش العراقي لن يخوض مواجهة معها، حتى لو تلقى أوامر من رئيس الوزراء العراقي بذلك.
لكن مكتب العبادي في بغداد يبدو غير مكترث بهذه التصريحات، ويعتقد أنها ليست موجهة إلى الداخل العراقي.
وتحدث مصدر في مكتب العبادي مع “العرب”، عن “وجود تصور حكومي واضح لمجال النفوذ الإيراني في الجيش العراقي”، مؤكدا أنه “لا يشكل أي قلق لرئيس الوزراء العراقي، الواثق من موالاة المؤسسة العسكرية للدولة”.
ويقول مراقبون إن الجيش العراقي، ربما يكون هو الورقة التي ستركز عليها جميع الأطراف في المرحلة التي تتبع القضاء على تنظيم داعش. وبيمنا سيحاول الإيرانيون كسب هذه القوة أو تحييدها، سيحاول الأميركيون ضمان ولائها للعبادي.
وقال الكاتب السياسي فاروق يوسف “النظام الحاكم في إيران لا يمكن أن يستمر في مصادرة للحريات العامة وتعطيل سيل الحياة السوية من غير أزمة، فإنه يلجأ بين حين وآخر إلى افتعال مواجهات وهمية، يُراد منها توجيه الأنظار إلى مناطق لا تمت إلى الحقيقة بصلة”.
وأضاف يوسف في تصريح لـ”العرب”، “النظام الإيراني الذي سبق له وأن دخل في مفاوضات مع الغرب ماراثونية استمرت لسنوات يدرك جيدا أن مواجهة محتملة مع الغرب، الولايات المتحدة بالتحديد، لن تقع على الأقل في الزمن المنظور، بسبب ما تشهده المنطقة من فوضى، اشتبكت مصالح دول عديدة بمصالح إيران من خلالها وبالأخص في سوريا والعراق. لذلك فإن لغة التصعيد التي يعتمدها القادة العسكريون في إيران هي معلبة بالأساس للتسويق الداخلي وشيء منها يتسلل إلى لغة السياسيين التي توجه إلى الغرب بشكل خاص”.
واعتبر أن الحديث عن السفينة الواحدة، تعبير عن الهيمنة التي سُمح لإيران أن تفرضها على مناطق، لا تزال نظريا تمثل جزءا من المصالح الغربية. وهو ما يعني أن هناك درجة معقولة من التفاهمات بين الغرب وإيران كانت هي الأساس الذي اعتمدت عليه إيران في عملية توسيع مجالها العسكري بما يسمح لها بإطلاق ميليشياتها لتنفيذ مشاريع لن تضر بالمصالح الغربية. ذلك ما يدخل ضمن الاعتبارات السياسية التي تحكم علاقة إيران بالغرب.
وقال “تلعب إيران دورا مؤقتا في التمهيد لمشاريع، قد لا تكون طرفا فيها في المستقبل البعيد. لقد كان حلم دولة الملالي يكمن في استعادة دور شرطي المنطقة فإذا بها تنتهي إلى ممارسة دور الحارس الذي قد يتم الاستغناء عنه في أي لحظة”.