بعد غرق قارب طرابلس .. عندما يهرب اللبناني من الموت إلى الموت
هل يكون قارب الموت هو الشرارة التي تؤدي إلى تأجيل الانتخابات النيابية اللبنانية المقررة في 15 أيار/مايو المقبل؟
يأتي طرح السؤال في ضوء الأحداث التي تشهدها مدينة طرابلس عاصمة شمال لبنان، غداة غرق أحد قوارب الموت في عرض البحر قبالة سواحلها، وتحديداً بالقرب من جزيرة الفنار رمتين، وعلى متنه بين 60 إلى 75 شخصاً.
وكشف مصدر أمني لبناني، لـ"سبوتنيك" أنه تم إنقاذ 45 شخصاً من الركاب الذين كانوا على متنه فيما تم انتشال جثث 14 آخرين، وما زال هناك حوالي عشرين شخصاً في عداد المفقودين.
منذ انتشار أخبار غرق الزورق ليل أمس، تشهد شوارع مدينة طرابلس ولا سيما الأحياء الفقيرة في التبانة والقبة حالات من الاحتجاج، تحولت في فترة بعد ظهر اليوم الأحد، إلى اشتباكات بالأسلحة الرشاشة بين الجيش اللبناني من جهة ومجموعات مسلحة انتشرت في الشوارع والأحياء من جهة ثانية، اعتراضا على توقيف أحد الركاب الناجين من الزورق الغريق، فيما لا تزال زوجته وطفلته وأحد أولاده في عداد المفقودين.
ما شهده ساحل طرابلس في الساعات الماضية ليس جديداً، وأصبح ظاهرة لافتة للانتباه منذ بداية الحرب السورية عام 2011، حيث نشطت تجارة الهجرة هربا من هذه الحرب عبر عصابات منظمة إلى تركيا برا وإلى أوروبا بحرا، منهم من نجح في الوصول ومنهم من فشلت محاولته ومنهم من قضى نحبه غرقا.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة مع انهيار الاقتصاد اللبناني وكذلك انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، شهد لبنان موجات من الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، وكان معظمها ينطلق من خلال السواحل الشمالية.
موجة ما زالت مستمرة حتى الآن بفعل تفاقم ظواهر الفقر والبطالة وانعدام الأفق أمام أغلبية العائلات اللبنانية. شباب وعائلات بأكملها من ذوي الدخل المحدود وحتى دون خط الفقر باعت كل ما تملك وذهبت بحثا عن فرصة عمل وحياة مستقرة بالحد الأدنى من المقومات.
ووفق الأرقام الرسمية يشهد الشمال اللبناني (مدينة طرابلس هي الأكثر فقرا على حوض المتوسط) ولا سيما أحياء عاصمة الشمال الفقيرة وبعض القرى العكارية مثل ببنين وفنيدق وسهل عكار، هجرة غير مسبوقة.
هاجر حوالي 3 آلاف شخص في السنتين الأخيرتين تحديداً، إذا بات شاطىء القلمون جنوب مدينة طرابلس منصة للانطلاق في رحلات الموت التي تتولاها مافيات تعمل بين لبنان وتركيا أو بين لبنان وأوروبا، كما هو حال القارب الذي كان سيتوجه مساء أمس السبت، من القلمون إلى شواطئ إيطاليا، (جرت محاولات موازية من العبدة والعريضة شمالا ومن ساحل مخيم الرشيدية في جنوب لبنان أيضاً).
ووفق روايات عدد من الأشخاص الذين فشلوا في الوصول إلى شواطئ أوروبا وعادوا يجرون أذيال الخيبة إلى الشمال اللبناني، فإن عائلات لبنانية وسوريا وحتى فلسطينية، دفعت كل ما تملك وتقتني للوصول إلى الشواطئ القبرصية واليونانية أو التركية، ومنها إلى الداخل الأوروبي، حيث تراوحت كلفة الفرد الواحد ما بين 2500 إلى 3 آلاف دولار، ومقابل ذلك يعمد بعض أصحاب المراكب الذين كانوا يعملون سابقاً في صيد الأسماك إلى الانخراط في هذه المصلحة التي تدر لهم مالاً وفيراً.
وقال مصدر أمني لوكالة سبوتنيك إن خفر السواحل اللبناني (التابع للجيش اللبناني) يرصد يومياً عبر الرادارات التابعة له مراكب التهريب، ويلاحقها ويلقي القبض على معظم الركاب والمهربين ويقتادهم إلى مراكزه قبل أن يسلمهم إلى الجهات المختصة (تم توقيف 21 رحلة في العام 2021)، لكن ذلك لا يمنع بعض المهربين من النجاح في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية.
وفي مقابلة أجرتها سبوتنيك مع ( أ.ح.) أحد الأشخاص الذي خاضوا هذه التجربة سابقاً، وهو من منطقة القبة في مدينة طرابلس عاصمة الفقراء، قال:"طُردت من وظيفتي مؤخراً بسبب تعثر الشركة التي أعمل فيها. الوضع الاقتصادي يزداد صعوبة والكثير من العمال يفقدون وظائفهم، لا طبابة لا دواء ولا كهرباء".
وأضاف: "المواد الغذائية ارتفع سعرها 2000 بالمئة، بعت كل ما أملك. سيارتي وبعض الأدوات الكهربائية المنزلية. دفعت مبلغ 9 آلاف دولار أنا وعائلتي. كنا في المركب 48 شخصا، انطلقنا في الليل (قبالة القلمون) ووصلنا بعد ثلاثين ساعة من الإبحار إلى الشواطئ اليونانية".
وواصل: "هناك بدأنا بالعبور إلى الدول الأوروبية واجتزت الحدود مع عائلتي حتى وصلت إلى السويد. هناك ألقت الشرطة السويدية القبض علينا وعندما علموا أنني أحمل الجنسية اللبنانية اتصلوا بالسفارة اللبنانية واتخذوا الإجراءات اللازمة وأرجعونا إلى لبنان، وعلى نفقة كل واحد منا حيث اتصلت بأقربائي في لبنان وأرسلوا لي مصاريف العودة".