سياسة يطوعها الحوثيون لصالحهم
تضع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأزمة اليمنية ضمن أولوياتها مؤكدة ضرورة التوصل إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف وينهي الحرب التي أشعلتها ميليشيا الحوثي منذ نحو سبع سنوات.
لكن محللين ومتابعين للشأن اليمني يرون أن سياسة الرئيس بايدن لم تقدم حلولا لصالح اليمنيين وإنما عززت من قوة الحوثيين وإيران في اليمن وجعلت واشنطن أمام أمر واقع لا بد من حله.
ويقول المحلل الأميركي بوبي جوش إن حدود الحديث بهدوء مع المتمردين الحوثيين في اليمن يجب أن تكون واضحة بقوة الآن أمام إدارة الرئيس الأميركي. ولكن المشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة لا تملك عصا طويلة تستطيع استخدامها.
ويقول الكاتب الصحافي في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إنه في ظل الدعم الإيراني للمسلحين الحوثيين، فإن ذلك يصب في صالح طهران فيما يتعلق بالمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وخلال الأيام الأولى لبايدن في البيت الأبيض، علق الرئيس الأميركي دعم واشنطن العسكري للتحالف العربي الذي يدعم الحكومة الشرعية في اليمن، ويقاتل ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من طهران، كما قام بتعليق مؤقت لمبيعات الأسلحة للسعودية و الإمارات، زعيمتي التحالف. وألغى بايدن قرار سلفه دونالد ترامب بتصنيف الحوثيين "جماعة إرهابية".
ويعتقد فريق بايدن أن من شأن مثل هذه التحركات أن تخلق الظروف الملائمة لإجراء مفاوضات بهدف التوصل لقرار بشأن الحرب في اليمن، وهي الحرب المتواصلة منذ ستة أعوام.
وقام بايدن بتعيين تيموثي لندركينغ مبعوثا أميركيا لليمن، ليسعى إلى جمع كل أطراف الصراع على مائدة الحوار. وفي ظل إشارات مشجعة من واشنطن، سافر مبعوث الأمم المتحدة لليمن، مارتن غريفيث، إلى طهران في محاولة لإقناع النظام الإيراني بدعم جهود تحقيق السلام.
ولكن الولايات المتحدة لم تضع في الحسبان الإصرار الذي يتسم بالتعصب من قبل الحوثيين على مواصلة القتال، وحرص إيران على أن يظلوا في حالة غضب .لقد صارت إيران وجماعة الحوثي أقوى في ظل التحرك الناعم من قبل فريق بايدن.
ويشير جوش إلى ما يراه براهين وافرة خلال الأسابيع الأخيرة على سوء النية من قبل الحوثيين والإيرانيين: فقد وضع الحوثيون جانبا مقترح سلام قدمته الرياض وصعدوا من هجماتهم بالصواريخ والطائرات المسيرة على البنية التحتية لصناعة النفط السعودية. كما عززوا من جهودهم لفرض سيطرتهم على مزيد من الأراضي اليمنية.
ويرى الكاتب أن جهود الحوثيين الآن منصبة على مدينة مأرب الغنية بالنفط شرق العاصمة صنعاء. وكان عدد سكان المدينة يوما ما حوالي 20 ألف نسمة، ولكنه تضخم ليصل إلى حوالي 800 ألف، حيث تدفق عليها اليمنيون فرارا من العنف في أنحاء شتى من البلاد.
وقد رفض المتمردون إجراء محادثات سلام هناك، مما عزز المخاوف من أن القتال المستمر قد يؤدي إلى مقتل عشرات الآلاف.
وفي نفس الوقت، واصلت طهران تقديم إمدادات السلاح للحوثيين: وقد اعترض الأسطول الأميركي هذا الأسبوع سفينة أسلحة كانت في طريقها لليمن، ولكن من يدري كم من السفن الأخرى قد وجدت طريقها بالفعل إلى سواحل اليمن. ويتباهي المسؤولون الإيرانيون علنا بإمداد الحوثيين بتكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيرة.
وخلال الأيام الماضية، طاف مبعوث الأمم المتحدة غريفيث منطقة الخليج، حيث شدد على أهمية عقد اجتماعات بين الأطراف المتحاربة من أجل السلام، مثل السعودية والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وأيضا الأطراف التي بإمكانها تقديم العون لإنهاء الصراع، مثل سلطنة عمان، والمملكة الأردنية. ولم ينصت إليه أحد، ولم تعبأ به الأطراف المتحاربة على الإطلاق.
ولم يلتق لندركينغ الإيرانيين بعد، ورفض الحوثيون لقاءه أو لقاء المبعوث الأممي. وعوضا عن إحراز أي تقدم على الأرض، اكتفت وزارة الخارجية الأميركية بإصدار بيانات توبيخ المتمردين على تضييع "فرصة مهمة لإثبات التزامهم بالسلام."
ويقول جوش إن الحقيقة المثيرة للإزعاج هي أن الحوثيين، الذي أطلقتهم الأحقاد الدينية والمظالم التاريخية، لم يبدوا أي قدر من الاهتمام بالتوصل إلى سلام، سواء مع التحالف العربي أو مع الحكومة اليمنية. بل أثبتوا، في ظل دعم وتشجيع من طهران، التزامهم بمواصلة الحرب. وبالنسبة لطهران، كان الحوثيون دوما أداة نافعة تستطيع من خلالها إيران وكز السعودية، الخصم التقليدي لها في المنطقة.
ويقول الصحافي الأميركي في ختام تقريره إن التعاون مع إيران أمر حتمي لتحقيق اثنين من أهداف بايدن في منطقة الشرق الأوسط، وهما، استئناف الدبلوماسية النووية، ووضع حد للحرب في اليمن، ويدرك الإيرانيون ذلك.
ويرى جوش أنه في ظل عدم وجود احتمال لتوجيه ضربات عسكرية أميركية ضد الحوثيين، وضع الرئيس الأميركي نفسه في حرج، كما وضع حلفاءه في المنطقة في وجه الخطر. فالسعوديون، بوجه خاص، قد صاروا في وضع أكثر تصالحا مع إيران. ويقلل هذا إلى حد كبير آفاق التوصل لاتفاق نووي أفضل مع إيران، أو إنهاء الحرب في اليمن.