خطوة تلقى ترحيبا محليا ودوليا
دفعت الضغوط الخارجية والخلافات الداخلية الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو للتراجع على تمديد ولايته لعامين وفتح المجال أمام مفاوضات ترمي إلى تنظيم انتخابات بأسرع وقت ممكن، في قرار لقي ترحيبا من المعارضة، ومن شأنه تهدئة التوترات الحادة التي تشهدها البلاد.
وتراجع فرماجو، رسميا، السبت، عن قرار تمديد ولايته في خطوة لاقت إشادات دولية، واعتبر محللون ونواب في البرلمان أنها ستنقذ البلاد من الفوضى، وتمهد إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية “في أقرب وقت ممكن”.
وإثر كلمة لفرماجو أمام مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان)، أعلن خلالها عن تلك الخطوة، صوت المجلس لصالح إلغاء قانون إجراء انتخابات مباشرة خلال عامين.
ودعا الرئيس الصومالي إلى البحث عن حل بالتفاوض للأزمة السياسية الراهنة، متخليا عمليا عن طرح تم تبنيه في 12 أبريل ينص على تمديد ولايته الرئاسية لعامين.
وتحدث الرئيس الصومالي عن مساع للبحث عن حل من خلال مفاوضات وتجنّب إثارة العنف لمصلحة من “يلعبون بدماء الشعب”.
وكان مجلس الشعب أجاز القانون تمديد ولاية فرماجو في 12 أبريل الماضي، والذي يعني تمديد ولاية الهيئات التشريعية والتنفيذية لمدة عامين حتى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مباشرة، ضمن ما اعتبره “مخرجا سياسيا” لأزمة الانتخابات العالقة في البلاد.
لكن قانون التمديد أثار انتقادات واسعة من المعارضة تطورت أخيرا إلى مواجهات عنيفة بالعاصمة مقديشو، بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة موالية للمعارضة أدت إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة 10، إلى جانب نزوح نحو عشرات الأسر من منازلهم، حسب هيئات دولية.
واصطدم القانون برفض من المجتمع الدولي وسط فشل محاولات الرئيس فرماجو لحشد تأييد داخلي أو خارجي له.
ومعلقا على هذه التطورات، قال المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، أحمد غيسود، إن “عدول الرئيس فرماجو عن قرار التمديد يعني الخضوع للضغوطات الدولية والمعارضة، التي وصلت أحيانا إلى مرحلة التصعيد من قبل المعارضة، أو تهديد بفرض عقوبات من قبل المجتمع الدولي”.
وأضاف غيسود “كان لدى الرئيس فرماجو خياران أحدهما مر؛ إما أن يتراجع عن قرار التمديد، وهو ما حدث فعلا اليوم، أو أن يتمسك بالتمديد ويدخل البلاد إلى مرحلة الفوضى وعدم الاستقرار”.
وأشار إلى أن قرار التمديد “كان في الأصل محاولة من الرئيس للقضاء على اتفاقية 17 سبتمبر بين الحكومة ورؤساء الولايات، من أجل فرض انتخابات مباشرة؛ أي اقتراع مباشر؛ لقلب الطاولة على المعارضة وهو ما رفضته الأخيرة”.
وفي 17 سبتمبر 2020، توصلت الحكومة الاتحادية ورؤساء الأقاليم الفيدرالية، خلال مؤتمر تشاوري بمقديشو، إلى اتفاق لإجراء انتخابات برلمانية في نوفمبر من العام ذاته، ورئاسية في فبراير 2021.
غير أن خلافات بين الجانبين حول تفاصيل متعلقة بآلية إجراء الانتخابات، التي كانت ستجرى بشكل غير مباشر (ليست عبر الاقتراع المباشر)، عطلت الاستحقاقين.
وفي كلمته أمام البرلمان، السبت، أكد الرئيس فرماجو، أنه “لن يعطي فرصة لأصحاب المصالح الضيقة، لدفع البلاد إلى حالة الفوضى وعدم الاستقرار”، مطالبا البرلمان بـ”العودة إلى اتفاقية 17سبتمبر حول الانتخابات”.
ويرى عبدالقادر عثمان، محلل سياسي ورئيس حزب “هلدور”، أن “العودة إلى اتفاقية 17 سبتمبر من شأنها العودة إلى مسار المفاوضات ولخيارات السلمية؛ من أجل حلحلة الخلافات التي تعيق إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في البلاد”.
وبعد تصويت مجلس الشعب، السبت، فوّض الرئيس فرماجو رئيس الوزراء محمد حسين روبلى، مسؤولية تأمين وتنفيذ اتفاقية 17سبتمبر لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية “في أقرب وقت ممكن”.
وتعليقا على ذلك، أشار عثمان إلى أن “رئيس الوزراء الصومالي يبدو غير منافس لكرسي الرئاسة وقد يكون رجلا توافقيا بالنسبة للمعارضة، وهو ما قد يؤدي إلى تنازلات من قبل الأطراف السياسية للتوصل إلى اتفاق سياسي حول الانتخابات المقبلة”.
وأوضح أن “المعارضة كان لديها مخاوف من أن يتولى الرئيس فرماجو زمام الانتخابات، لكن المخاوف هذه تبددت الآن ما يساهم في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت ممكن”.
ورحب بيان لائتلاف مرشحي المعارضة المتحالف ضد فرماجو والذي يضم أيضا مرشحين يتنافسون بشكل فردي على الرئاسة، بالتطورات التي سجّلت السبت.
وقال رئيس الجمهورية الأسبق والمرشح الرئاسي الحالي شيخ شريف شيخ أحمد “أرحب بقرار مجلس الشعب لصالح العودة إلى اتفاقية الـ17 من سبتمبر للانتخابات”، واصفا الأمر بأنه “خطوة إلى الأمام”.
وشدّد شيخ أحمد على أن كل من ساهم في اتخاذ هذا القرار يستحق التهنئة، معتبرا أنّ الاتفاق أعيد طرحه بعد طول انتظار وهو “الحل الوحيد المتاح لتنظيم انتخابات”.
كما رحب أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي جدد دعوته جميع الأطراف الصومالية “لاستئناف الحوار على الفور وصياغة اتفاق توافقي بشأن إجراء انتخابات شاملة دون مزيد من التأخير”.
وشدد على “أهمية توافق واسع النطاق من أجل تحقيق الاستقرار في الصومال”.ورحبت السفارة الأميركية في تغريدة مقتضبة على “تويتر” بقرار الرئيس والبرلمان الصوماليين حول تكليف رئيس الوزراء بمهمة تنفيذ اتفاقية 17سبتمبر.
وبموجب إلغاء قانون التمديد من قبل البرلمان، يتوجه الصومال إلى إجراء انتخابات “غير مباشرة” وفق اتفاقية 17سبتمبر بين الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية. وسيكون تحديد المواعيد متروكا للحوار بين الأطراف المعنية.
ويشهد الصومال حالة من التوتر السياسي، بسبب خلافات بين الحكومة من جهة ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جهة أخرى حول تفاصيل متعلقة بآلية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وانتهت ولاية البرلمان في 27 ديسمبر الماضي، فيما انتهت ولاية الرئيس فرماجو (مدتها أربع سنوات) في 8 شباط الماضي.
ولقي انتخاب فرماجو في العام 2017 ترحيبا شعبيا واسعا، لكنّ الرئيس الصومالي الذي اتّبع نهجا حادا ذو نزعة سلطوية، لقي معارضة قوية، ما دفعه لمحاولة التأثير في انتخابات عدة ولايات تتمتع بحكم شبه ذاتي لفرض حلفاء له.