في كل لحظة تمر تتساقط أوراق العمر كما تتساقط أوراق الأشجار في فصل الخريف، ومع زيادة معدلات السقوط في هذه الأيام، زاد فيروس كورونا اللعين من أعداد السقوط، وبات يُختطف من بيننا الأوراق الجميلة وتذبل الزهور وتموت واحدة تلو الأخرى.
ربما يكون العادي أن تنبت أوراق جديدة يافعة وزهور ناضرة، لكن الحقيقة الراسخة والتي لا يمكن أن ننكرها هو أن اليافع والناضر لا يكون بنفس ما فات ورحل، وبالتالي لا تكون الفائدة بنفس النسبة التي رحلت مع السابق.
هكذا الموت الآن يخطف من بيننا علماء وقامات ومفكرين ومبدعين ومثقفين، ويتركنا وحيدين شاردين بدون دليل يمسك بأيدينا ليعبر بنا إلى البر.
ربما يرى البعض في الجيل الجديد الأمل في أن يخلفوا هؤلاء، لكن دون إحباط أو يأس الواقع المفروض على الجميع لا يُبشر بذلك إطلاقًا، حتى وإن كان هناك المثقفين الجدد والشباب المُفكر والجيل الواعد الصاعد الذي يحاول ويُعافر، لأن النسبة لن تكون بنفس الدرجة وبنفس العدد ونفس الهيبة والقيمة التي كان يُجسدها الراحلون.
على الرغم من أن التكنولوجيا الجديدة ووسائل العلم الحديثة والتي تحتاج إلى جد واجتهاد أكثر من السابقين، لكن قليلون هم بل نادرون من يفهمون ذلك ويعوه جيدًا، لأن الذين يُحاولون الآن أجزم أن مرض الشهرة والشو وجنون العظمة بات يسيطر عليهم أكثر من التفكير في النبوغ من أجل النبوغ نفسه، وعلى طريقة فيد واستفيد ربما يرى البعض ذلك "عادي جدًا"، وربما يراه آخرون سبب رئيسي في التراجع وليس في التقدم، أو على الأقل لن يكون صاحبها علامة بارزة.
فئة أخرى من الجيل الجديد وهي فعلًا ميئوس منها تمامًا وهو جيل التيك توك والسوشيال ميديا الذي أصبح كل شئ غير مباح بالنسبة لهم أمرًا طبيعيًا، وإن كنت ليس كذلك فأنت في أعينهم شخص غير طبيعي رغم أن العكس هو الصحيح، فلا تربية ولا أخلاق ولا علم ولا ثقافة ولا فكر ولا إبداع ولا أي شئ إطلاقًا.
رحل الشعراوي وزويل وهيكل ومحفوظ والعقاد وحسين ومشرفة ورحلت هدى شعراوي وسقط محمود ياسين ونسينا الريحاني، وتوفي بالأمس حافظ أبو سعدة، والكثير والكثير من كنوز مصر المُبدعة سقطت مع الزمن سقوط الأوراق والزهور من على الأشجار في فصل الخريف.
مات من مات وهاجر منهم من هاجر وشاخ من شاخ، ولا نرى الآن شعاع ضوء واحد يعطي أمل بأن هناك ربيع جديد كربيع الأمس صاحب الفضل في الجمال والقوة، وأصبحت زهور وأشجار ربيع اليوم بلا معنى، فمتى يعود الأمس بمجددين ومثقفين وعلماء وفنانين متى تظهر كنوز جديدة حقيقية وليست كالذهب القشرة للبشرية.. لا بأس نحن قيد الانتظار ربما فجر جديد آت بعد طول الظلام.
حقيقة.. لا يمكن اللوم على الدولة في ذلك، فهي تبذل قصارى جهودها لكي تعطي الفرصة لمن يستحق، كانت مؤتمرات الشباب برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكانت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وكانت معسكرات شباب الوفد، ومنها كان ثمار كوادر هي الآن تشغل مناصب تنفيذية في الدولة وتعاون الجهات المسئولة في الإدارة.. ولكن مازلنا نبحث عن كنز جديد يبرز اسمه كهؤلاء الذي تركوا بصمة لهم وحفروا أسمائهم بحروف من ذهب ونور في التاريخ فلم تمحه الأيام، ولم ولن تتأثر بالعوامل الجوية رغم شدتها.. مازلنا قيد الانتظار.