الرئيس التونسي قيس سعيد
رد الرئيس التونسي قيس سعيد بشدة وبوضوح على التصعيد الكبير لحركة النهضة الهادف إلى إسقاط حكومة الفخفاخ والاستهانة بمؤسسات الدولة وخاصة رئاسة الجمهورية، حيث تعمد بيان مجلس الشورى بشأن “المشاورات الحكومية” محاولة الإساءة للرئيس سعيد والاستهانة به، وكأن دوره يقف عند مجرد إعلامه بقرار الشورى وليس جهة سيادية يعود لها قرار الدعوة إلى الاستقالة ثم التكليف.
وأعلن الرئيس التونسي، الإثنين، رفضه إجراء أي مشاورات لتشكيل حكومة جديدة ما دام رئيس الوزراء الحالي إلياس الفخفاخ لم يقدم استقالته أو لم توجه له لائحة اتهام. وقطع بذلك الطريق على مناورات النهضة بالضغط على الفخفاخ والأحزاب الداعمة لبقائه على رأس الحكومة، ومساومتها باستمرار الوضع الحكومي مقابل التخلي عن مبادرة تضم خمس كتل لعزل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من منصبه كرئيس للبرلمان.
وقال سعيد إن “الحديث عن تسيير مشاورات بين رئيس الدولة وعدد من رؤساء الأحزاب حول تشكيل حكومة جديدة هو من قبيل الافتراء”. وأضاف أنه “لن تحصل أي مشاورات مع أي كان ما دام رئيس الحكومة كامل الصلاحيات”.وتابع “إن استقال (رئيس الحكومة) أو تم توجيه لائحة اتهام له في ذلك الوقت رئيس الجمهورية يمكن أن يقوم بمشاورات”.
والملاحظ أن تصريحات قيس سعيد جاءت بعد لقاء جمعه برئيس الحكومة، وحضره نورالدين الطبوبي أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد)، في خطوة قال متابعون للشأن التونسي إنها تثبت تمسك رئيس الجمهورية برئيس الحكومة طالما أن ملف تضارب المصالح لم يخرج عن المناكفة السياسية ولم يبت فيه القضاء والدوائر المعنية بمواجهة الفساد.
وأشار المراقبون إلى أن وجود الطبوبي في الاجتماع يكشف عن نجاح الرئيس سعيد في تركيز الجهود على محاصرة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ومخلفات كورونا، وفيه دعم رمزي من أكبر منظمة عمالية للرئيس سعيد في معركة كسر العظم التي تخوضها النهضة ضد صلاحيات رئيس الجمهورية ورمزيته. كما يظهر أن النهضة باتت معزولة وقد تجد نفسها خارج الحكومة.
ويعتبر هذا الاجتماع هو الثاني من حيث الأهمية الذي لا يستدعي فيه الرئيس سعيد الغنوشي للحضور بصفته رئيس البرلمان ورئيس الحزب الذي يحوز على الكتلة الأكبر في البرلمان، بعد تحييده عن حضور اجتماع المجلس الأعلى للجيوش والقيادات الأمنية، للنظر في الوضع العام داخل البلاد وخاصة الوضع الأمني المتوتر في الجنوب.
ومن الواضح أن النهضة تستمر في الاستهانة بدور رئيس الجمهورية خاصة أنها صوتت له في الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية تحت مسوغ أن الرجل نكرة ووافد على العمل السياسي، ما يجعل توظيفه أمرا سهلا، وظلت تتعامل معه بهذه العقلية.
في المقابل، أظهر الرئيس سعيد أنه صعب المراس، وأنه مستوعب بشكل جيد للّعبة السياسية والمناورات التي يحيكها خصومه، وخاصة حزب النهضة، ولذلك كانت تصريحاته ومواقفه في الفترة الأخيرة تهدف إلى تحجيم دور النهضة وخاصة راشد الغنوشي الذي لم يكف إلى الآن عن الإيهام بأنه الشخصية المحورية في البلاد، وابتزاز الطبقة السياسية بزعم أنه يمسك بلجام المتطرفين وتسويق نفسه كشخصية “معتدلة” للخارج.
وفي وقت سابق الإثنين، أعلن رئيس مجلس شورى حركة النهضة، عبدالكريم الهاروني، خلال مؤتمر صحافي، عن تكليف رئيس الحركة راشد الغنوشي بإجراء مشاورات مع رئيس البلاد، للاتفاق حول تشكيل حكومة جديدة.
ويترأس الفخفاخ، منذ 27 فبراير الماضي، ائتلافا حكوميا يضم 4 أحزاب رئيسية وكتلة برلمانية، هي: النهضة (إسلامية – 54 نائبا من 217)، التيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي – 22)، حركة الشعب (ناصرية – 14)، حركة تحيا تونس (ليبيرالية – 14)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية – 16).
وفي 30 يونيو، قالت هيئة مكافحة الفساد (دستورية مستقلة)، إنه توجد “شبهة تضارب مصالح للفخفاخ بشأن امتلاكه أسهما في شركات تتعامل مع الدولة تجاريا، وأبرمت معها صفقات، وهو ما يمنعه القانون”. ونفى الفخفاخ، في جلسة بالبرلمان، صحة هذه الشبهات.
لكن سياسيين ومحللين يقولون إن النهضة لا تنظر لقضية تضارب المصالح إلا من زاوية استثمارها للضغط على الفخفاخ من أجل القبول بتوسيع الحزام الحكومي ليضم حليف الغنوشي حزب قلب تونس برئاسة نبيل القروي، وأن رفض الفخفاخ لهذا الطلب دفع إلى ممارسة ضغوط أقوى للإطاحة بحكومته والدفع بالبلاد إلى حالة الفراغ.
وقال النائب عن حركة الشعب هيكل المكي في تصريح لـ”العرب” إن حركة النهضة تتعسف على المشهد السياسي بإيهام الجميع بأنها تبحث عن حلول للأزمة التي هي طرف رئيسي فيها كونها أوصلت البلاد خلال 10 سنوات من الحكم إلى ما هي عليه اليوم من مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية، فضلا عن الاحتقان السياسي.
وأضاف “موقفنا موحد (ككتلة ديمقراطية)، لا نريد أن تعود النهضة للسيطرة على مفاصل الدولة.. تعودت على ابتزاز شركائها في محاولة منها لإخضاعهم”.
وشدد على أن “مخرجات شورى النهضة تلزمها هي فقط ولا تلزم بقية شركاء التحالف الحاكم، وأن هناك آليات دستورية لا بد من اتباعها”، مشيرا إلى أن “خلافا لذلك النهضة لا تملك القدرة على أن تعزل أو أن توليّ أحدا”.
من جهته، اعتبر النائب وليد جلاد عن حركة تحيا تونس في تصريح لـ”العرب” أن “قرار تكليف الغنوشي بالمشاورات قرار غير أخلاقي لأن رئيس الحكومة ما زال يباشر مهامه وما زال موجودا في منصبه، وكأن شخصا ما زال على قيد الحياة ونفكر في كيفية دفنه”.
وقال إن قرار شورى النهضة “لا يستند إلى أي سند قانوني أو دستوري.. وهذا عبث بالدولة ومؤسساتها وإرباك لهياكلها وبعيد كل البعد عن الأخلاق السياسية”، لافتا إلى أن الأمر “يتطلب التقدم بلائحة لوم واقتراح شخصية سياسية بديلة أو استقالة رئيس الحكومة أو إقالته من قبل الرئيس قيس سعيد”.