تدخل محدود لحماية أمن مصر
فتح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، السبت، الباب أمام تدخل عسكري مباشر في ليبيا لوقف تقدم كتائب حكومة الوفاق المدعومة من تركيا من خلال تشديده على أن “سرت والجفرة خط أحمر”، في ردّ مباشر على تصريحات تركية قبله بساعات طالبت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر بالانسحاب من سرت والجفرة.
وقام السيسي بجولة في قاعدة جوية قرب حدود مصر الغربية التي يبلغ طولها نحو 1200 كيلومتر مع ليبيا وأظهر التلفزيون الرسمي لقطات للرئيس المصري وهو يشاهد مقاتلات وطائرات هليكوبتر وهي تقلع من القاعدة.
وقال السيسي لعدد من الطيارين من القوات الجوية والقوات الخاصة في القاعدة “كونوا مستعدين لتنفيذ أيّ مهمة هنا داخل حدودنا أو إذا تطلب الأمر خارج حدودنا”.
واعتبرت مصادر مصرية أن خطاب السيسي يهدف إلى تأكيد أن بلاده ليست في موقع ضعف وأنها قادرة على حماية حدودها الغربية وعمقها الاستراتيجي داخل الأراضي الليبية، لكنّ ذلك لا يعدّ إعلان حرب، ولكنه تأكيد على تمسك بالسلام من موقع قوة مع الاستعداد للحرب إذا وقعت.
وأشارت المصادر إلى أن رفع سقف الخطاب المصري، قبل اجتماع مفترض لوزراء خارجية الدول العربية، هو بمثابة رسالة قوية إلى تركيا من أن الموقف المصري يحوز على دعم غالبية الدول العربية، فضلا عن تفهم دولي واسع تعكسه مواقف دول أوروبية.
وأكد الرئيس السيسي أن أيّ تدخل مباشر من الدولة المصرية في ليبيا باتت تتوافر له الشرعية الدولية سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة (حق الدفاع عن النفس) أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي، أي مجلس النواب.
ومن السهل على مصر الحصول على تفويض من البرلمان الليبي، كونه المؤسسة الشرعية الوحيدة، وهو ما أشار إليه عارف النايض رئيس “تكتل إحياء ليبيا”.
وقال النايض في تصريح خاص لـ”العرب” إن ليبيا عضو مؤسس في جامعة الدول العربية ومشارك أصيل في منظومة الدفاع المشترك العربية، ولا يستغرب من أشقائها الإسراع إلى نجدتها وهي تتعرض إلى اجتياح تركي، بل وتحالف تركي – إيراني.
وحث النايض على أن “يمثل ليبيا في جامعة الدول العربية وفي كل الدول ممثلون عن البرلمان الليبي صاحب الشرعية الانتخابية الوحيدة في ليبيا، وعن الحكومة المنبثقة عنه والحائزة على ثقته”.
وحرص الرئيس المصري على إظهار أن التدخل، إذا تم، فإن هدفه سيكون “حماية الحدود الغربية للدولة بعمقها الاستراتيجي وتأمينها من تهديدات الميليشيات الإرهابية والمرتزقة”، و”استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية، باعتبارهما جزءا لا يتجزأ من أمن مصر واستقرارها”.
وفي خطوة تهدف إلى تبديد مخاوف الليبيين وسحب البساط من تحت أقدام إعلام قطر الذي يستهدف التحريض على مصر، قال السيسي “لن نكون غزاة وليست لنا أطماع في ليبيا”، متعهدا بتدريب القبائل الليبية وتسليحها. علما أن الخطاب كان بحضور قادة من الجيش المصري وممثلين عن القبائل الليبية.
وأضاف أن الهدف من وراء ذلك “وقف إطلاق النار الفوري، وإطلاق مفاوضات عملية تسوية سياسية شاملة برعاية الأمم المتحدة وفقا لمخرجات مؤتمر برلين، وتطبيقا عمليا لمبادرة إعلان القاهرة”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر دعت مصر لوقف إطلاق النار في ليبيا في إطار مبادرة طرحت أيضا انتخاب مجلس لقيادة ليبيا. كما دعت إلى اجتماع لوزراء الخارجية العرب رفضته حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، في إشارة واضحة إلى أن التحركات الدبلوماسية المصرية باتت تقلق الجانب التركي، خاصة مع بروز أصوات أوروبية معارضة للتدخلات التركية صادرة عن فرنسا واليونان.
ويقول مراقبون إن الموقف المصري الجديد يجعل تركيا تراجع اندفاعها نحو سرت والجفرة، فضلا عن البحث عن تفاهمات تحت الطاولة مع دول مثل روسيا والولايات المتحدة دون اعتبار الموقف العربي.
وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين قال السبت إن التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في ليبيا يتطلب انسحاب قوات حفتر من مدينة سرت الاستراتيجية، وأن “وقفا لإطلاق النار يجب ان يكون قابلا للاستمرار، ما يعني أن على الطرف الآخر، (الجيش الوطني الليبي) بقيادة حفتر ألا يكون في موقع يتيح له شن هجوم جديد على الحكومة الشرعية ساعة يشاء”.
وأضاف “في المرحلة الراهنة تعتبر (حكومة الوفاق في طرابلس) ونحن ندعمها في ذلك، أن على جميع الأطراف العودة إلى مواقعهم في عام 2015 حين تم توقيع اتفاق الصخيرات السياسي (في المغرب)، ما يعني أن على قوات حفتر أن تنسحب من سرت والجفرة”.
وهاجم المتحدث باسم الرئاسة التركية فرنسا بشدة على خلفية اتهامها بدعم المشير خليفة حفتر، في خطوة تظهر انزعاج الأتراك من التحرك الفرنسي الدبلوماسي والإعلامي في مواجهة الأطماع التركية. وقال “في ليبيا، ندعم الحكومة الشرعية في حين تدعم الحكومة الفرنسية زعيم حرب غير شرعي وتعرّض بذلك أمن حلف شمال الأطلسي للخطر (وكذلك) الأمن في المتوسط والأمن في شمال أفريقيا والاستقرار في ليبيا”.