سياسة فاشلة
خسر حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا، الكثير من النقاط من رصيده لدى الأتراك، وحتى على مستوى سمعته الدولية، نتيجة سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤسس الحزب الذي حوله إلى مؤسسة خاصة يدير من خلالها مشاريعه ويحقق على أكتافه طموحاته.
رسّخ الحزب، الذي كان ينظر إليه قبل سنوات على أنه صانع المعجزة الاقتصادية التركية، خسارته بعد الفوز غير المسبوق لممثل المعارضة في جولة الإعادة لانتخاب رئيس بلدية إسطنبول، معقل الحزب ومصدر قوته.
ما يجعل الخسارة بمثابة الإعلان عن بداية انحدار الحزب، هو أن إمام أوغلو المنتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض في الانتخابات، هو الثاني في ظرف فترة وجيزة. وجاء بعد إعادة الانتخابات بناء على طلب حزب العدالة والتنمية.
وإذا كان الحزب الحاكم في تركيا قد اعتقد أن خسارته لمنصب العمدة القوي لأكبر مدينة تركية، والتي تعد القلب الاقتصادي للبلاد لأول مرة في مارس الماضي، أمر لا يطرأ على ذهن أحد، فإن الهزيمة الثانية للحزب بدت بعيدة الاحتمال.
والمرشح الذي خسر هذه الانتخابات البلدية هو رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم، غير أن المراقبين يقولون إن أردوغان ذاته هو الذي سيتحمل تبعة هذه النكسة التي تعد الأكبر خلال 16 عاما من حكمه.
ولم يخسر أردوغان أي انتخابات منذ أن تولى حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، وعلى الرغم من أن سكان إسطنبول لم يصوتوا على شعبية أردوغان، فإنهم سجلوا احتجاجاتهم ضده وضد سياسات حزبه في صناديق الاقتراع.
ووفقا لما يقوله ولفانجو بيكولي الرئيس المشارك لشركة الأبحاث المعلوماتية تينيو إنتليجنس، فقد اعتبر كثير من السياسيين داخل حزب العدالة والتنمية أن قرار الإجبار على إعادة الانتخابات في إسطنبول يمثل كارثة، لأن هذه المقامرة لم تحقق نفعا. وهذه النتيجة يمكن أن تغذي الشعور بالقلق بين أعضاء حزب أردوغان وأيضا خصومه، بأن “حياته السياسية أصبحت الآن تسير نحو انحدار لا يمكن الرجوع عنه”. بينما قال محمد جونال أولجر، رئيس مركز استطلاع الرأي العام التركي بوليميتر، إن الهزيمة الثانية لمرشح حزب العدالة والتنمية تمثل بداية النهاية للحياة السياسية لأردوغان.
وأضاف أولجر، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، أن خسارة إسطنبول تقوي تيار المعارضة داخل حزب العدالة والتنمية، ويمكن أن تؤدي بالقوى السياسية المنقسمة داخل الحزب لأن تظهر تحديها ومعارضتها علانية.
ويشمل المنشقون سياسيين من ذوي الأوزان الثقيلة بالحزب، ففي أبريل الماضي ألقى رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو اللوم على تحالف حزب العدالة والتنمية مع القوميين المتطرفين، باعتباره السبب في هزيمة مرشح الحزب في انتخابات إسطنبول الأولى التي جرت في مارس الماضي، وذلك في خطوة تعد انتقادا نادرا ويتسم بالحدة لسياسات الحزب، وتكهنت العديد من التقارير الإعلامية بأن الرئيس التركي السابق عبدالله غول ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان كلا منهما سيؤسس حزبا جديدا.
ويرى أولجر أن “أردوغان وحزبه دخلا طريق اللاعودة الذي سيؤدي في النهاية إلى حدوث تغيير دستوري”، ويتوقع “إجراء استفتاء أو انتخابات مبكرة في غضون عام”. ومع ذلك يعرب محمد علي كولات من وكالة ماك لاستطلاع الرأي العام، عن اعتقاده بأنه من السابق لأوانه توقع حدوث تصدعات في حزب العدالة والتنمية أو إجراء انتخابات مبكرة.
ويقول كولات إن ”أردوغان لديه تفويض كرئيس للبلاد حتى عام 2023، ولا أرى وجود سبب ملموس لتغيير هذا الاتجاه في الوقت الحالي”، ويضيف أن “تركيا تشعر بالإرهاق والضجر من كثرة التوجه إلى صناديق الاقتراع خلال الأعوام القليلة الماضية”.
فقد أدلى الأتراك بأصواتهم الصيف الماضي في انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة دعا إليها أردوغان، والتي دعمت انتقال تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي يركز السلطات في أيدي الرئيس. وجاءت هذه الانتخابات بعد إجراء استفتاء على تعديل الدستور عام 2017، للموافقة على النظام الرئاسي وفاز فيه أردوغان بأغلبية ضئيلة.
ويقول بيكولي إن الانتقال إلى النظام الرئاسي الجديد أدى إلى “عزل أردوغان بدرجة أكبر، داخل دائرة صغيرة من المستشارين المتملقين الذين تنقصهم المؤهلات والخبرة”. بينما يقول أولجر ”إن النظام الجديد فشل في علاج الأزمة الاقتصادية، في الوقت الذي زادت فيه المخاوف من اضمحلال سيادة القانون خلال العام الماضي”.
وظهر هذا الاتجاه في الانتخابات البلدية التي أجريت في جميع أنحاء تركيا في مارس الماضي، والتي حطمت الهالة التي ارتسمت حول أردوغان بعدم قابليته للهزيمة، حيث عاقب الناخبون الذين أضيروا بشدة من جراء الركود الاقتصادي حزب العدالة والتنمية، في انتخابات أنقرة وإسطنبول وغيرهما من المراكز الاقتصادية بالبلاد.
ووسط الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد دخلت تركيا في خلافات أخرى مع الولايات المتحدة، التي هددت بتوقيع عقوبات عليها، بسبب شرائها منظومة للدفاع الجوي من روسيا. وتشيع مخاوف من أن أردوغان قد يلجأ إلى المحكمة لمنع إمام أوغلو من تولي منصب العمدة رغم فوزه، غير أن مثل هذه الخطوة لها مخاطرها ويمكن أن تؤدي إلى اندلاع احتجاجات شعبية وإلى المزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي.
ويقول كولات أن “مفهوم المجتمع التركي عن العدالة لم يتغير وسيتعاطف مع إمام أوغلو بدرجة أكبر في حالة حدوث مزيد من الاستهداف له أو تعرضه لأن يصبح ضحية”. وعند إعادة الانتخابات على منصب عمدة إسطنبول كان الناخبون ينظرون إلى إمام أوغلو باعتباره مرشحا تعرض للاضطهاد.