انفتاح إقليمي لم يرق للبعض
قال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الأحد، إن رئيس أركان الجيش ورئيس ولاية أمهرة الشمالية قتلا عندما نفذ جنرال في الجيش محاولة انقلاب للاستيلاء على السلطة في الولاية.
وجاء في بيان لمكتب أبي أن رئيس الولاية أمباتشو مكونن ومستشاره قتلا بالرصاص وأصيب المدعي العام في أمهرة بمدينة بحر دار عاصمة الولاية مساء السبت.
وفي هجوم منفصل وإن كان على صلة بهذا الهجوم، قُتل رئيس أركان الجيش الإثيوبي الجنرال سيري مكونن وجنرال متقاعد آخر برصاص الحارس الشخصي في منزل رئيس الأركان بأديس أبابا.
وأشار مكتب أبي إلى أن الجنرال أسامنيو تسيجي رئيس جهاز الأمن في ولاية أمهرة هو المسؤول عن الانقلاب الفاشل، لكنه لم يذكر تفاصيل عن مكان تواجده، فيما ذكرت تقارير إعلامية أن أسامنيو خرج من السجن العام الماضي بعد صدور عفو عنه في محاولة انقلاب مشابهة.
ويرى وليام دافيسون المحلل من مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية أن هذه الأحداث تعكس خطورة الأزمة التي تضرب إثيوبيا حيث قام رئيس الوزراء أبي أحمد الذي وصل إلى السلطة قبل عام بإصلاحات لكنه يواجه فيها صعوبات.
ويقول دافيسون “هذه الأحداث المأساوية تثبت للأسف عمق الأزمة السياسية في إثيوبيا. من المهم الآن ألا يزيد اللاعبون على الساحة الوطنية من عدم الاستقرار بالرد بطريقة عنيفة أو محاولة استغلال الوضع لأهدافهم السياسية الخاصة”.
الجنرال أسامنيو تسيجي رئيس جهاز الأمن في ولاية أمهرة هو المسؤول عن الانقلاب الفاشل رغم أنه غادر السجن العام الماضي بعد صدور عفو عنه في محاولة انقلاب مشابهة
وتسود صراعات عرقية متعددة داخل إثيوبيا التي تضم خليطا عرقيا كبيرا من السكان، حيث خضعت البلاد مدة طويلة لقبضة أمنية قوية.
ويشير متابعون للشأن الأفريقي أن الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي بدأ رئيس الوزراء الإثيوبي في تنفيذها مثلت ضربة موجعة للفساد المستشري في البلاد وخلفت حالة من الهلع والفوضى الأمنية، إلا أن انفتاح أديس أبابا على محيطها الإقليمي ورفضها لسياسة الاصطفاف التي تحاول الصومال الآن التخلص من تداعياتها، استوجبا توظيف القوى الفاسدة وتحريك النعرات الطائفية والقبلية للإطاحة برئيس وزراء لا يخدم أجندات الدول التي ترى في قطار السلام بالقرن الأفريقي خطرا على مصالحها وأجنداتها التخريبية.
ويمثل خليط العرقيات والإثنيات المتناحرة أصلا بشأن قضايا ترسيم الحدود والثروات الباطنية، بيئة ملائمة لتنفيذ انقلابات أو اغتيالات تحت يافطة التململ الاجتماعي والفوضى الأمنية، ومناخا جيّدا للتعتيم على الأجندات الإقليمية التي تستهدف عمليات السلام وتعمل على إفشالها.
وتولى أبي السلطة قبل أكثر من عام وقام بإصلاحات لم يسبق لها مثيل في إثيوبيا ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان وأحد أسرع اقتصادات القارة نموا، لكن التغييرات التي قام بها في صفوف الجيش أكسبته بعض الأعداء من ذوي النفوذ، فيما لا تزال حكومته تكافح لاحتواء أعمال عنف عرقية متزايدة بما يشمل أمهرة.
وقال مسؤول في العاصمة أديس أبابا إن إطلاق النار وقع بينما كان مسؤولون اتحاديون مجتمعين برئيس الولاية، وهو حليف لأبي، لمناقشة سبل التصدي لقيام أسامنيو بتجنيد ميليشيات عرقية على الملأ.
وكان أسامنيو قد توجه بالحديث إلى أبناء العرق الأمهري، الذي يعتبر من أكبر الجماعات العرقية في إثيوبيا، عبر فيديو انتشر على فيسبوك قبل أسبوع ونصحهم بتسليح أنفسهم.
وقال سكان في بحر دار إن إطلاق النار استمر لما لا يقل عن أربع ساعات مساء السبت وبعض الطرق كانت مغلقة.
وظهر أبي على شاشة التلفزيون الرسمي مرتديا الزي العسكري في ساعة متأخرة من مساء السبت وأعلن عن محاولة الانقلاب.
وقال الجنرال تفيرا مامو قائد القوات الخاصة في أمهرة للتلفزيون الحكومي الأحد “معظم الأشخاص الذين قاموا بمحاولة الانقلاب تم اعتقالهم، لكن عددا قليلا منهم ما زالوا طلقاء”، ولم يقدم تفاصيل عن أسامنيو.
ومنذ توليه السلطة، أفرج أبي عن السجناء السياسيين ورفع الحظر عن الأحزاب السياسية وحاكم مسؤولين متهمين بارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، لكن حكومته تواجه أعمال عنف عرقية كان لقبضة السلطات الحديدية الفضل في كبح جماحها في الماضي.
وشكلت المصالحة الإريترية الإثيوبية، التي ساهمت دولة الإمارات بمعية السعودية في إنجاحها، ترتيبات جديدة في منطقة القرن الأفريقي، أخرجت المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية من أتون النزاعات الحدودية والحروب الأهلية إلى طريق التكامل التنموي والاقتصادي، ما يؤشر على تجاوز دول المنطقة لمنطق الاصطفافات الإقليمية التي أضرت بها وبأمنها.
ويتجاوز لقاء السلام الذي احتضنته أسمرة عتبة إنهاء القطيعة بين البلدين الجارين ليدخل العمق الأفريقي وتتخذ تداعياته أبعادا إقليمية، بشقيها العربي والأفريقي، وعالمية أيضا في علاقة باستراتيجية منطقة القرن الأفريقي وتأثر التجارة الدولية كما السياسات بكل ما يطرأ فيها من تغيّرات.
وتخطو منطقة القرن الأفريقي نحو طي صفحات قاتمة لأزمتها سنوات طويلة وجعلتها عنوان التوترات السياسية والصراعات المسلحة، الأهلية والبينية، وتحولت أيضا إلى عنصر جذب للكثير من التنظيمات الإسلامية المتطرفة.
ولم تكن الظروف الاقتصادية سببا وحيدا في تعدد وتنوع علاقات دول المنطقة، مع دول عربية وغير عربية، دول في الشرق وأخرى في الغرب، بل هي لعبة الجغرافيا السياسية، التي منحت القرن الأفريقي مزايا استراتيجية يصعب أن تستغني عنها كل دولة تريد تأمين مصالحها في البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي، وهو ما أوجد صراعا خفيا على النفوذ في هذه المنطقة، التي تحولت إلى صمام أمان للبعض وعنصر قلق وتوتر لآخرين.
وما جرى من زلزال في اليمن، وتوابعه العسكرية والسياسية والاقتصادية، جذب المزيد من الأنظار إلى منطقة القرن الأفريقي التي تطل على الضفة المقابلة، لأن إيران وضعت أقدامها مبكرا في إريتريا من خلال جزر حنيش لتوطيد أحلامها في اليمن والمنطقة المحيطة به ودعم المتمردين الحوثيين الذين تمكنوا بفضل ما تلقوه من مساعدات مسلحة من طهران، غالبيتها عبر البحر الأحمر، من الإمساك بزمام الأمور في بعض مفاصل الدولة اليمنية.
ولم تكن محاولات إيران التمدد في اليمن والقرن الأفريقي، على هوى قوى دولية عدة، لكنها لم تتصدّ لها بما فيه الكفاية وبصورة مباشرة، ما أجبر قوى خليجية، مثل السعودية والإمارات على وضع دول المنطقة ضمن حساباتها الاستراتيجية، لإنهاء الحرب في اليمن وعودة الشرعية.