سيلفي
وتبدأ قصتنا بعد ذلك مع خبر نقله عدد من الصحف الجادة وبرامج تلفزيونية شهيرة عن اختيار الدكتور المهندس محمد وجيه عبد العزيز وزيرا جديدا للنقل، مع الإشارة إلى أنه "المشرف على إنشاء جميع محطات وأنفاق السكك الحديدية المطورة بفرنسا وصاحب الطفرة في السكك الحديدية التي حدثت بالسويد على مدار الـ18 عاما الماضية"، وأنه حصل على العديد من الجوائز والأوسمة العليا من فرنسا.
ليتضح بعد ذلك أن مصدر الخبر هو حساب تويتر باسم "خالد عنخ آمون الأول" نشر الخبر لمدة حوالي الساعة قبل حذفه، وشرح في تغريدات لاحقة أن محمد وجيه عبد العزيز هو والده الذي توفي قبل ١١ سنة ولم يكن مهندسا ولم تكن له أي علاقة بالسكك الحديدية والقطارات، وأن هدفه كان إثبات أن تويتر وشبكات التواصل الاجتماعي مصدر للشائعات التي يمكن أن تخرب بلادا وشعوبا، على حد تعبيره.
وأثار الأمر حملة سخرية واسعة النطاق على شبكات التواصل الاجتماعي من مؤسسات صحفية شهيرة، واضطرت مؤسسة عريقة مثل أخبار اليوم، على سبيل المثال، لتقديم اعتذار عن نشرها للخبر الزائف، ولكن كل هذا ليس بالجديد، وهو ببساطة مثال لقضية الأخبار الزائفة التي تشغل صحف وأجهزة الإعلام في مختلف أرجاء العالم.
ما يهمنا هو أن القصة عززت وطورت الحملة المستمرة ضد شبكات التواصل الاجتماعي، وتكمن المفارقة المضحكة في أن هذه الحملة تجري أساسا على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي في حقيقة الأمر ليست مفارقة بقدر ما هي مؤشر على زيف هذه الحملة.
إعطاء الفرصة للجميع، بدون استثناء، أن يقولوا ما يريدون على العلن وأن يردّ عليهم الآخرون، يتضمن، بلا شك، بعض المخاطر التي تبدأ من الكذبة البسيطة وحتى محاولات مجموعات أو أجهزة استخباراتية لتوجيه الرأي العام والتلاعب به، ولكنها الأخطار التي تصاحب كل ثورة.
والإنترنت ثم شبكات التواصل الاجتماعي هي ثورات حقيقية تشكل تهديدا لكافة السلطات التقليدية، ليس فقط السلطة السياسية وإنما أيضا للسلطات الاجتماعية والثقافية … الخ، مما يفسر هذه الحملات العنيفة، في كافة أرجاء العالم ومحاولات تقييد الحركة على هذه الشبكات والسيطرة عليها.
وبعيدا عن الخلفيات والتحليلات، يبقى أن شبكات التواصل الاجتماعي هي ساحة جديدة، ولكن عالمية وشاملة، لحرية التعبير، ومحاولة تحديدها أو السيطرة عليها تذكرنا بمحاولات البعض في القرون الوسطى لمنع المطبعة نظرا لأنها ستجعل الثقافة في متناول العامة والطبقات الدنيا … التشابه مذهل أليس كذلك؟