قانون الطوارئ في تونس: صمام أمان أم وسيلة قانونية لقمع الحريات

الأحد 24 فبراير 2019 4:17 ص
قانون الطوارئ في تونس: صمام أمان أم وسيلة قانونية لقمع الحريات

مخاوف من تقييد حرية الاحتجاج في تونس

جنوب العرب - تونس

منذ أن تم إيداع مشروع قانون حالة الطوارئ من قبل رئاسة الجمهورية التونسية بمكتب الضبط التابع للبرلمان التونسي، لا يكاد يمر يوم دون أن تتوسّع جبهة الرفض أو المواقف المناهضة له، فجل المواقف والبيانات الصادرة عن أحزاب ومنظمات وجمعيات تعنى بحقوق الإنسان أكّدت أنه سيضاعف صلاحيات السلطات بما يسمح بتقييد الحريات.

منذ أن وصف وزير الدفاع التونسي عبدالكريم الزبيدي قانون الطوارئ المعتمد في البلاد بأنه غير دستوري في موفى عام 2018، وهو ما يستدعي وجوبا سن قانون جديد يستجيب لحاجات البلاد الحقيقية، عكفت مؤسسة رئاسة الجمهورية على إعداد مشروع قانون جديد وقدّمته منذ أشهر للبرلمان التونسي لمناقشته من قبل مختلف الأحزاب السياسية ومن ثمة المصادقة عليه.

لكن مشروع القانون ووجه ومنذ الساعات الأولى التي أودع فيها بمكتب ضبط مجلس نواب الشعب (البرلمان)، بجبهة رفض واسعة من قبل جل الأحزاب وكذلك المنظمات المعنية بحقوق الإنسان بتعلة أنه سيزيد من تقييد الحريات والحقوق.

وترى العديد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن مواصلة العمل بإعلان حالة الطوارئ خاصة وأن البلاد مقبلة على انتخابات تشريعية ورئاسية، لا طائل منها لأن القانون سيصبح بمثابة حجة قانونية تسلطها السلطات على رقاب التونسيين لكبح حرياتهم وخاصة تحركاتهم الاحتجاجية.


وبين مبررات السلطات ومواقف جبهة الرفض لقانون الطوارئ وخاصة لمشروع القانون الجديد المودع بمجلس نواب الشعب، تتباين المواقف ما يحتّم وجوبا طرح التساؤل هل أن قانون الطوارئ هو صمام وركيزة أساسية لتأمين البلاد من المخاطر الإرهابية، أم أنه أصبح مطية السلطات لقمع الحقوق والحريات؟

ومنذ أن عقدت لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بالبرلمان جلسة مع ممثلين عن وزارة الداخلية حول مشروع قانون تنظيم حالة الطوارئ وبالرغم من التوضيحات المقدمة، إلا أن المخاوف متواصلة لدى الرأي العام التونسي وخاصة لدى الأحزاب والمنظمات. ويرى مراقبون أن مشروع القانون يسمح للسلطة التنفيذية بمنع الإضرابات والمظاهرات التي تُعتبر خطرا على النظام العام، علاوة على فرض الإقامة الجبرية على كل شخص “يتعمّد ممارسة نشاط من شأنه تهديد الأمن”، وتعليق نشاط الجمعيات لمجرد الاشتباه في مشاركتها في أفعال مضرة، خاصة أن مشروع القانون لا ينص على مراجعة قضائية كافية للتدابير المتخذة بموجب هذه الصلاحيات.

وقالت آمنة القلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس، إن “الصلاحيات غير المحدودة التي يمنحها مشروع القانون تمثل خطرا على العديد من الحقوق التي تجنّد التونسيون لحمايتها منذ ثورة 2011. يجب أن تكون صلاحيات الطوارئ محددة النطاق والمدة وخاضعة لمراجعة السلطة القضائية”.

وتؤكد رئاسة الجمهورية صاحبة مشروع القانون الجديد أن حالة الطوارئ بصفتها الحالية تستند إلى مرسوم رئاسي لسنة 1978، يسمح للرئيس بإعلانها لمدة تصل إلى 30 يوما، قابلة للتجديد، استجابة لاضطرابات أمنية خطيرة، إلا أنه يتضمن العديد من الإخلالات التي لا تتماشى مع بنود الدستور الجديد الذي تم سنه عام 2014. فيما ترى جبهة الرفض لمشروع القانون الجديد أنه، بدل تحقيق التوازن، سيفاقم من صلاحيات السلطات الواسعة لتقيّد حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والتنقل، بالإضافة إلى الحقوق النقابية، دون موافقة قضائية مسبقة.

ويحدد مشروع القانون الجديد “حالة الطوارئ” بشكل أوسع مما يسمح به القانون الدولي، والذي ينص على منع تعليق حالات الطوارئ للحقوق الأساسية إلا عندما يكون الوضع “مهددا لحياة الأمة”. ويسمح التشريع بإعلان حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر بمقتضى أمر رئاسي، بعد استشارة رئيس الحكومة ومجلس الأمن القومي، يمكن تمديدها إلى 3 أشهر إذا استمر حصول أحداث “تكتسي خطورتها صبغة الكارثة” أو في حالة “خطر وشيك يهدد الأمن والنظام العام”، ما يعطي السلطة التنفيذية إمكانية تأويل القانون بشكل يسمح بتجديدها إلى أجل غير مسمّى.

وبموجب مشروع القانون الجديد، لدى الولاة (المحافظين) ووزير الداخلية نفس صلاحيات قانون 1978 لمنع أي شخص “يتعمد عرقلة نشاط السلطات العمومية” من مناطق جغرافية معيّنة. ويمكن للمسؤولين أيضا فرض الإقامة الجبرية ومنع الاجتماعات والتجمعات والمظاهرات التي من شأنها أن تشكل خطرا على الأمن والنظام العام، وإغلاق القاعات المخصصة للاجتماعات العمومية.


وتتمسك جل الأحزاب السياسية والمنظمات الرافضة لتواصل إعلان حالة الطوارئ في البلاد أو مشروع القانون الجديد، بأن السلطات التونسية وضعت في الأعوام الأخيرة أكثر من 130 شخصا تحت الإقامة الجبرية، ومنعت سفر المئات، متسببة في خسارة الكثيرين لوظائفهم واشتباه الأصدقاء والجيران بهم.

ومن جهتها، كانت لجنة الحقوق والحريات التي صاغت مشروع قانون المساواة في الحقوق والحريات الفردية الذي يسمح للمساواة بين الجنسين، أقرت بأن مشروع قانون الطوارئ الجديد معادٍ للحقوق والحريات العامة ويجيز صلاحيات واسعة لوزارة الداخلية والوالي (المحافظ) دون الأخذ بعين الاعتبار حرمة الأشخاص.

ورغم أن رئاسة الجمهورية صاحبة مشروع القانون تؤكّد أن مشروع قانون الطوارئ، حرص على تقديم ضمانات لتفادي استغلال السلطة المخولة للجهات المعنية بتطبيق أحكام حالة الطوارئ، حيث أنه نص على أنه لا يمكن اتخاذ هذا القرار إلا بعد اجتماع مجلس الأمن القومي الذي يضم الرئاسات الثلاث وبعد استشارتها، فإن العديد من الخبراء في القانون الدستوري يشدّدون على أنه حتى وإن تمت المصادقة عليه فإنه سيبقى منقوصا بحكم أن تونس لم تستطع إلى اليوم رغم انقضاء 8 سنوات على الثورة تركيز المحكمة الدستورية، المخول الرئيس بتقييم دستورية القوانين.

وتقول سلسبيل القليبي، أستاذة القانون الدستوري، إن المبادرة الدستورية المقدّمة بشأن قانون الطوارئ تحتاج إلى الكثير من المراجعات خاصة في ما يتعلق بضبط صلاحيات السلطة التنفيذية، علاوة على وجوب تركيز المحكمة الدستورية قبل مناقشة القانون الجديد باعتبار أنها الجهة الوحيدة المخولة للبت في مدى دستورية القوانين.

هذا الجدل في تونس والذي يسيل الكثير من الحبر يفتح من جديد عدة أسئلة حول مدى تطابق التشريعات التونسية مع مبادئ دستور عام 2014 الضامن لمختلف أشكال الحقوق والحريات الفردية والعامة، خاصة أن تونس مثّلت بإجماع دولي نقطة الضوء الوحيدة عقب ثورات الربيع العربي المتجهة نحو إرساء الديمقراطية، لكنها لم تستطع إلى اليوم إتمام تركيز أهم الآليات الضامنة لها كالمحكمة الدستورية.

التعليقات

تقارير

الأحد 24 فبراير 2019 4:17 ص

اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن زعيم جبهة التحرير الوطني وحكيم الثورة العربي بن مهيدي "قتله عسكريون فرنسيون"، وذلك بمناسبة الذكرى السبعين لا...

الأحد 24 فبراير 2019 4:17 ص

لا تزال التكهنات تتواصل حول مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله وكيفية معرفة إسرائيل بمكانه كان أحدثها ما قاله زعيم مليشيات موالية لإيران في العراق.وفي لق...

الأحد 24 فبراير 2019 4:17 ص

هل نجا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من محاولة اغتيال؟** هذا السؤال يتصدر المشهد بعد إعلان استهداف منزله في قيساريا، وسط تكهنات وتكتم حول ال...